للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فرصة للمرض أن يظهر لمن عنده استعداد وقابلية للمرض، أما النفي فإنه يرجع إلى اعتقاد أن العدوى تحصل بنفسها، وأنه لابد من وقوعها، والواقع ينافي ذلك، فكثير من الناس يخالطون المرضى ولا تحصل لهم أية عدوى، وكثير أيضًا يمرضون بغير مخالطة، وكثير تؤثر فيهم مخالطة المرضى فيمرضون، وكل ذلك بتقدير الله وإرادته، والله تعالى قد يعمل الأسباب ويفعلها ويجعلها مؤثرة، وقد يبطل أثرها وتأثيرها.

قال ابن الجوزي (١): (كانت العرب تتوهم الفعل في الأسباب، كما كانت تتوهم نزول المطر بفعل الأنواء، فأبطل النبي ذلك بقوله: «لا عدوى»، وإنما أراد إضافة الأشياء إلى القدر، ولهذا قال في حديث أبي هريرة: «فمن أعدى الأول؟» (٢)، ونهى عن الورود إلى بلد فيه الطاعون (٣) لئلا يقف الإنسان مع السبب وينسى المسبب).

وقال النووي (٤): (قال جمهور العلماء: يجب الجمع بين هذين الحديثين، وهما صحيحان، قالوا: وطريق الجمع:

أن حديث: «لا عدوى»: المراد به نفي ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده؛ أن المرض والعاهة تُعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى.

وأما حديث: «لايورد ممرض على مصح»، فأرشد فيه إلى مجانبة ما


(١) ينظر: كشف المشكل لابن الجوزي (٢/ ٤٧١).
(٢) أخرجه البخاري برقم (٥٧٧٠) ومسلم برقم (٢٢٢٠).
(٣) أخرجه مسلم، كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، حديث رقم (٢٢١٨)، عن أسامة بن زيد .
(٤) ينظر: شرح النووي على مسلم (١٤/ ٢١٣).

<<  <   >  >>