للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده، فهو أمر لا يطلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم.

وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة، وحِمْيتِها عن التخليط الجالب لها الموادَّ الفاسدةَ التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغِ المواد الرديئة المانعةِ لها من صحتها.

فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتَها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٣].

وقال النبي : «الصوم جُنَّةٌ» (١).

وأمر من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرةَ له عليه بالصيام، وجعله وجاء هذه الشهوة (٢).

والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة، شرعه الله لعباده رحمة بهم، وإحسانا إليهم وحميةً لهم وجُنَّة.

وكان هدي رسول الله فيه أكمل الهدي، وأعظم تحصيل للمقصود، وأسهله على النفوس.

ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها، تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة، لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة، وأُلفت أوامر القرآن، فنُقِلت إليه بالتدريج.


(١) أخرجه البخاري برقم (٧٤٩٢) عن أبي هريرة .
(٢) أخرجه البخاري برقم (٥٠٦٥) ومسلم برقم (١٤٠٠) عن ابن مسعود .

<<  <   >  >>