وقيل: المراد بها أنها مصونة عن التبديل والتحريف والإصرار والأغلال، خالية عن التكاليف الشاقة، وأشار بذلك إلى أنه أتى بالأعلى والأفضل، واستبدال الأدنى بالأعلى مظنة التحير.
التعليق:
في هذا الحديث التحذير من التحير والتردد في الدين، كما تحيَّرت اليهود؛ لأن طلبَ شيءٍ لم يأمرهم به نبيُّهم ﷺ دليلٌ على أن من طلب ذلك يظن نقصانَ ما أتى به النبي ﵇ من الدين، واعتقاد أن ما أتى به النبي ﵇ من الدِّين ناقص؛ قبيحٌ، بل ينبغي أن يعتقد الرجل أنَّ ملةَ نبينا ﷺ أفضلَ الملل وأكملها، ويحتاج إلى ملتنا جميعُ المِلل ولا يُحتاج إلى مِلَّةٍ أخرى.
ثم بين النبي ﷺ أنه جاءهم بالملَّةِ الحنيفية في حال كونها أظهر الملل وأيسرها لا مشقة فيها؛ بخلاف ما كان في دين اليهود من المشقة العظيمة؛ لأن في دينهم أن يخرجوا ربع أموالهم في الزكاة، وأن يقطعوا مواضع النجاسة من الثوب، ولا يجوز غسله، وغير ذلك من العُسْرِ.
وقوله:«ولو كان مُوسى حَيًّا لما وَسِعَهُ إلا اتِّباعي»:
أي: ما ينبغي له شيء غير اتباعي، ولا بُدَّ له من اتباعي؛ يعني: لو كان موسى ﵇ حيًّا لا يجوز له أن يفعل فعلًا أو يقول قولًا إلا بأمري، فإذا كانت هذه حال موسى ﵇، فكيف يجوز لكم أن تطلبوا فائدة مِنْ موسى ﵇ مع وجودي؟! (١).
(١) ينظر: المفاتيح في شرح المصابيح للمظهري (١/ ٢٨٥).