للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويصحبه كذلك حَتَّى يحشر (١).

قال الإمام ابن رجب (٢): (وتفسير هذا: أن ابن آدم في الدنيا لا بد له من أهلٍ يعاشرهم، ومالٍ يعيش به، فهذان صاحبان يفارقانه ويفارقهما، فالسعيد من اتخذ من ذلك ما يعينه على ذكر الله تعالى، وينفعه في الآخرة، فيأخذ من المال ما يبلغ به إلى الآخرة، ويتخذ زوجةً صالحة تعينه على إيمانه.

فأما من اتخذ أهلًا ومالًا يشغله عن الله تعالى، فهو خاسر، كما قالت الأعراب: ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾ [الفتح: ١١]، وقال تعالى: ﴿لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المنافقون: ٩]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [سبأ: ٣٧].

قال الحسن وهو في جنازة: ابن آدم، لئن رجعتَ إلى أهل ومال، فإن الثَّوى (٣) فيهم قليل، فإذا مات ابن آدم، وانتقل من هذه الدار لم ينتفع من أهله وماله بشيء، إلا بدعاء أهله له واستغفارهم، وبما قدمه من ماله بين يديه، قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: ٨٨، ٨٩]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤].


(١) ينظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (٢٩/ ٦١١).
(٢) ينظر: مجموع رسائل ابن رجب (٢/ ٤٢١ - ٤٣٤) باختصار، وهي رسالة بعنوان شرح حديث يتبع الميت ثلاثة.
(٣) الثوى: المكث. ينظر: الصحاح للفارابي (٦/ ٢٢٩٦)، ومجمل اللغة لابن فارس (١/ ١٦٤) ..

<<  <   >  >>