للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللسان والجوارح، وآية: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ﴾ [البقرة: ١٧٧] واضحة الدلالة على ذلك؛ فإنَّ أوَّلَها مشتمل على الأمور الباطنة، وآخرَها مشتمل على الأمور الظاهرة، ويُطلق البرُّ على خصوص برِّ الوالدين، لا سيما إذا قُرن بالصلة، فإنَّه يُراد بهما بر الوالدين وصلة الأرحام.

ويأتي البرُّ مقرونًا بالتقوى، كما في قول الله ﷿: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢]، فعند اجتماعهما كما في هذه الآية يُفسَّر البرُّ بفعل الطاعات، والتقوى بترك المنهيات، فإذا أُفرد أحدهما عن الآخر بالذِّكر شمل المعنيين جميعًا، وهذا نظير الإسلام والإيمان، والفقير والمسكين.

جاء في حديث النواس: «البرُّ حسن الخلق»: وحُسنُ الخُلُق يحتمل أن يكون المراد به خصوص الخلق الكريم المعروف بهذا الاسم، ويكون تفسير البرِّ به لأهميَّته وعظيم شأنه، وهو نظير: قوله: «الدِّين النصيحة» (١)، وقوله: «الحجُّ عرفة» (٢).

ويُمكن أن يُراد به العموم والشمول لكلِّ ما هو خير، ويدلُّ عليه وصف أمِّ المؤمنين عائشة لِخُلق الرسول بأنَّه القرآن، والمعنى: أنَّه يتأدَّب بآدابه، ويمتثل أوامره، ويجتنب نواهيه.

وقوله: «والإثمُ ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطَّلع عليه الناس»:

من الإثم ما يكون واضحًا جليًّا، ومنه ما يحوك في الصدر ولا تطمئنُّ إليه النفس، ويكره الإنسانُ أن يطَّلع عليه الناس؛ لأنَّه مِمَّا يُستحيا من فعله، فيخشى صاحبُه ألسنةَ الناس في نيلهم منه، وهو شبيه بما جاء في الأحاديث الثلاثة


(١) أخرجه مسلم برقم (٥٧) عن جرير بن عبد الله .
(٢) أخرجه الترمذي برقم (٨٨٩)، والنسائي برقم (٣٠١٦)، وابن ماجه برقم (٣٠١٥)، وأحمد في المسند برقم (١٨٧٧٤).

<<  <   >  >>