عن أخيه ولم يهنه بالخلافة ولم يقم حتى يلحقه ولم يرجع اليه. فخافه ابو جعفر المنصور واجمع الرأي وعمل المكايد وهجر النوم الى ان اقتنصه. وكان ابو مسلم استشار رجلا من أصحابه بالريّ في رجوعه الى المنصور فقال: لا أرى ان تأتيه وارى ان تمتدّ الى خراسان.
فلما لم يقبل منه وسار نحو المنصور قيل له: تركت الرأي بالرايّ فذهب مثلا. فلما دنا ابو مسلم من المنصور امر الناس بتلقيه وإكرامه غاية الكرامة. ثم قدم فدخل على المنصور وقبل يده. فأمره أن ينصرف ويروّح نفسه ليلته ويدخل الحمّام. فانصرف.
فلما كان من الغد أعد المنصور من اصحاب الحرس اربعة نفر واكمنهم خلف الرواق وقال لهم: إذا انا صفّقت بيديّ فشأنكم. وأرسل الى ابي مسلم يستدعيه ودخل على المنصور فأقبل عليه يعاتبه ويذكر عثراته. فما عدّ عليه ان قال: ألست الكاتب اليّ تبدأ بنفسك.
ودخلت إلينا وقلت: اين ابن الحارثيّة. ويأتيك كتابي فتقرأه استهزاء ثم تلقيه الى مالك ابن الهيثم ويقرأه وتضحكان. فجعل ابو مسلم يعتذر اليه ويقبّل الأرض بين يديه.
فقال المنصور: قتلني الله ان لم أقتلك. وصفّق بيديه فخرج الحرس يضربونه بسيوفهم وهو يصرخ ويستأمن ويقول: استبقني لعدوّك يا امير المؤمنين. فقال له المنصور:
وايّ عدوّ لي أعدى منك. وقيل كانت عند ابي مسلم ثلث نسوة وكان لا يطأ المرأة منهن في السنة الا مرة واحدة. وكان من أغير الناس لا يدخل قصره احد غيره وفيه كوى يطرح منها لنسائه ما يحتجن اليه. قالوا ليلة زفّت اليه امرأته أمر بالبرذون الذي ركبته فذبح وأحرق سرجه لئلا يركبه ذكر بعدها. قالوا وكان من أشد الناس طمعا وأكثرهم طعاما يخبز كل يوم في مطبخه ثلثة آلاف قرف ويطبخ مائة شاة سوى البقر والطير.
وكان له ألف طبّاخ وآلة المطبخ تحمل على ألف ومائتي رأس من الدوابّ. وقيل كان ابو مسلم شجاعا ذا رأي وعقل وتدبير وحزم ومروءة. وقيل بل كان فاتكا قليل الرحمة قاسي القلب سوطه سيفه قتل ستمائة ألف ممن يعرف صبرا سوى من لا يعرف ومن قتل في الحروب والهيجات. وسئل بعضهم: ابو مسلم كان خيرا او الحجّاج. قال: لا أقول ان أبا مسلم خير من احد ولكن الحجاج كان شرا منه. وزعم قوم ان أبا مسلم كان من قرية من قرى مرو. ويقال: بل كان من العرب سمع الحديث وروى الاشعار.
وقيل كان عبدا. وقد نسبه بعض الشعراء الى الأكراد حين هجاه. وفي سنة أربعين ومائة سيّر المنصور عبد الوهاب ابن أخيه ابراهيم بن محمد الامام في سبعين ألف مقاتل الى ملطية. فنزلوا عليها وعمروا ما كان خرّبه الروم منها. ففرغوا من العمارة في ستة أشهر.
وأسكنها المنصور اربعة آلاف من الجند واكثر فيها من السلاح والذخائر وبنى حصن