للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلوذية. وفي هذه السنة خرج الراونديّة على المنصور بمدينة الهاشمية وهم قوم من اهل خراسان يقولون بتناسخ الأرواح ويزعمون ان ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم هو المنصور.

وجعلوا يطوفون بقصره ويقولون: هذا قصر ربنا. فأنكر ذلك المنصور وخرج إليهم ماشيا إذ لم يكن في القصر دابة. ونودي في اهل السوق فاجتمعوا وحملوا عليهم وقاتلوهم فقتلوا اعني الراوندية جميعا وهم يومئذ ستمائة رجل. وفي السنة الرابعة والأربعين أخذ المنصور من أولاد الحسين بن علي بن ابي طالب اثني عشر إنسانا ورحّلهم من المدينة الى الكوفة وحبسهم في بيت ضيّق لا يمكّن احد من مقعده يبول بعضهم على بعض ويتغوط ولا يدخل عليهم روح الهواء ولا تخرج عنهم رائحة القذارة حتى ماتوا عن آخرهم.

فخرج محمد [١] بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن ابي طالب بالمدينة وجمع الجموع وتسمى بالمهدي. وخرج ابراهيم اخوه بالبصرة في ثلثين ألفا. وقتلا ولم ينجحا.

وفي سنة خمس وأربعين ومائة ابتدأ المنصور في بناء عمارة مدينة بغداد. وسبب ذلك انه كان قد ابتنى الهاشمية بنواحي الكوفة. فلما ثارت الراوندية به فيها كره سكناها لذلك والجوار اهل الكوفة ايضا فانه كان لا يأمن أهلها على نفسه وكانوا قد أفسدوا جنده.

فخرج بنفسه يرتاد موضعا يسكنه هو وجنده. فقال له اهل الحذق: انّا نرى يا امير المؤمنين ان يكون على الصراة [٢] وبين انهار لا يصل إليك عدوك الا على جسر فإذا قطعته لم يصل إليك. وأنت متوسط للبصرة والكوفة وواسط والموصل والسواد. ودجلة والفرات والصراة خنادق مدينتك. وتجيئك الميرة فيها من البر والبحر. فازداد المنصور حرصا على النزول في ذلك الموضع. ولما عزم على بناء بغداد أمر بنقض المدائن وايوان كسرى. فنقضه ونقله الى بغداد. فنقضت ناحية من القصر الأبيض وحمل نقضه.

فنظر وكان مقدار ما يلزمهم له اكثر من ثمن الجديد فأعرض عن الهدم. وجعل المدينة مدورة لئلّا يكون بعض الناس اقرب الى السلطان من بعض. وعمل لها سورين الداخل أعلى من الخارج. وبنى قصره في وسطها والمسجد الجامع بجانب القصر وقبلته غير


[١-) ] وكان يدعى بالنفس الزكية لزهده ونسكه.
[٢-) ] قال ياقوت في معجم البلدان: «صراة نهران بغداد الصراة الكبرى والصراة الصغرى ولا اعرف انا الا واحدة وهو نهر يأخذ من نهر عيسى من عند بلدة يقال لها المحوّل بينها وبين بغداد فرسخ ويسقي ضياع بادوريا ويتفرع منه انهار الى ان يصل الى بغداد فيمر بقنطرة العباس ثم قنطرة الصبيبات ثم قنطرة رحا البطريق ثم القنطرة العتيقة ثم القنطرة الجديدة ويصب في دجلة ولم يبق عليه الآن الا القنطرة العتيقة والجديدة يحمل من الصراة نهر يقال له خندق طاهر بن الحسين اوله أسفل من فوهة الصراة يدور حول مدينة السلام مما يلي الحربية وعليه قنطرة باب الحرب ويصير في دجلة امام باب البصرة من مدينة المنصور.
واما أهل الأثر فيقولون: الصراة العظمى حفرها بنو ساسان بعد ما ابادوا النبط» .