ببغداد وكان طبيبا حاذقا مصيبا. حكى عنه ابو الفرج ابن ابي الحسن بن سنان قال:
كنت وابرهيم الحرّاني يوما في دار ابي محمد المهلّبي الوزير فتقدم ابو عبد الله بن الحجاج الشاعر الى الحراني فأعطاه مجسّه. فقال له: قلت لك غلظ غذاك وأظنك أسرفت وذلك حتى أكلت مضيرة بلحم عجل. فقال: كذلك والله كان. وعجب هو والجماعة منه.
ومدّ اليه ابو العباس المنجم يده فأخذ مجسّه فقال: فأنت يا سيدي أسرفت في التبريد ايضا وأظنّك قد أكلت احدى عشرة رمّانة. فقال ابو العباس المنجم: هذه نبوّة لا طبّ. وزاد العجب والتفاوض في ذلك. وكنت انا ايضا أكثرهم استطرافا وتعجبا. فلما خرجنا قلت له: يا سيدي أبا الحسن صناعة الطب معروفة بيننا لا يخفى عني شيء منها فبيّن لي من اين ذلك النصّ على ان المضيرة كانت بلحم عجل لا بقرة ولا ثور ومن اين لك الدليل على ان عدد الرمّان احدى عشرة. فقال: هو شيء يخطر ببالي فينطق به لساني. فقلت: صدقتني والله إذا ارني مولدك. وجئت معه الى الدار ونظرت في مولده فرأيت سهم الغيب في درجة الطالع مع درجة المشتري وسهم السعادة فقلت له: يا عزيزي هذا يتكلم لا أنت وكلما تصيب في الطبّ من مثل هذا الحدس والقول فهذا سببه وأصله.
وحكي ان عضد الدولة فناخسرو شاهنشاه بن بويه كان إذا افتخر بالعلم والمعلّمين يقول: معلمي في الكواكب الثابتة وأماكنها عبد الرحمن الصوفيّ وفي حلّ الزيج الشريف ابن الأعلم وفي النحو ابو علي الفارسي. وكان عبد الرحمن بن عمر بن سهل ابو الحسين الصوفي الرازيّ فاضلا نبيها نبيلا ومن تصانيفه كتاب الصور السمائيّة مصورّ والارجوزة وكتاب مطارح الشعاعات. وتوفيّ في سنة ست وسبعين وثلاثمائة وكان عمره خمسا وثمانين سنة. واما ابن الأعلم فاسمه عليّ بن الحسين رجل علويّ شريف عالم بعلم الهيئة وصناعة التسيير مذكور مشهور في وقته وكان قد تقدّم عند عضد الدولة. ولما توفّي عضد الدولة نقصت حاله وتأخر أمره عند صمصام الدولة ابنه فانقطع عنهم واقام منقطعا وحجّ في شهور سنة اربع وسبعين وثلاثمائة وفي عودته مات بمنزلة تعرف بالعسيلة. وكان في هذه المدة جماعة صالحة من مشاهير الحكماء منهم التميميّ المقدسيّ الطبيب كان بمصر في حدود سبعين وثلاثمائة أحكم ما علمه من علم الطبّ غاية الأحكام وكان له غرام وعناية تامّة في تركيب الادوية وعنده غوص واستغراق في طلب غوامض هذا النوع وكان منصفا