للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زمن ولم يبرأ. فكان ابن مقشّر وغيره من أطباء الخاص المشاركين له يتولّون علاجه فلا يؤثر ذلك الا شرّا في العقد. فأحضر له جرائحيّ يهوديّ كان يرتزق بصناعة مداواة الجراح في غاية الخمول. فلما رأى العقد طرح عليه دواء يابسا فشقّه وشفاه في ثلثة ايام.

فأطلق له الحاكم ألف دينار وخلع عليه ولقبّه بالحقير النافع وجعله من أطباء الخاصّ.

ولما ولي الحاكم الأمر بمصر وكان يميل الى الحكمة بلغه خبر ابي عليّ بن الحسين بن الهيثم المهندس البصريّ انه صاحب تصانيف في علم الهندسة عالم بهذا الشأن متقن له متفنّن فيه قائم بغوامضه ومعانيه. فتاقت نفسه الى رؤيته. ثم نقل له عنه انه قال:

لو كنت بمصر لعملت في نيلها عملا يحصل به النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقص. فازداد الحاكم اليه شوقا وسيّر اليه سرا جملة من مال فارغبه في الحضور. فسار نحو مصر ولما وصلها خرج الحاكم للقائه والتقيا بقرية على باب القاهرة المعزّيّة تعرف بالخندق وأمر بإنزاله وإكرامه واقام ريثما استراح وطالبه بما وعد به من أمر النيل فسار معه جماعة من الصنّاع ليستعين بهم على هندسة كانت خطرت له. ولما سار الى الإقليم بطوله ورأى آثار من تقدّم من ساكنيه من الأمم الخالية وهي على غاية من احكام الصنعة وجودة الهندسة وما اشتملت عليه من أشكال سماوية ومثالات هندسية وتصوير معجز تحقّق ان الذي يقصده ليس بممكن فان من تقدّمه لم يعزب عنهم علم ما علمه ولو أمكن لفعلوا. فانكسرت همّته ووقف خاطره. ووصل الى الموضع المعروف بالجنادل قبليّ مدينة أسوان وهو موضع مرتفع ينحدر فيه ماء النيل فعاينه وباشره واختبره من جانبيه فوجد أمره لا يمشي على موافقة مراده وتحقق الخطأ عمّا وعد به وعاد منخجلا منخذلا واعتذر بما قبل الحاكم ظاهره ووافقه عليه. ثم ان الحاكم ولّاه بعض الدواوين فتولّاها رهبة لا رغبة. وتحقق الغلط في الولاية لكثرة استحالة الحاكم وإراقته الدماء بغير سبب او بأضعف سبب من خيال مخيلة. فأجال ابو الحسن بن الهيثم فكرته في أمر يتخلّص به فلم يجد طريقا الى ذلك الا إظهار الجنون والخيال فاعتمد ذلك وشاع.

فأحيط على موجودة بيد الحاكم ونوّابه. وجعل برسمه من يخدمه ويقوم بمصالحه وقيّد وترك في موضع من منزله. ولم يزل على ذلك الى ان مات الحاكم. وبعد ذلك بيسير أظهر العقل وعاد الى ما كان عليه وأقام متنسكا منقبعا [١] واشتغل بالتصنيف والنسخ والافادة وكان له خطّ قاعد في غاية الصحة. وحكي عنه انه كان ينسخ في مدّة سنة ثلثة كتب في ضمن أشغاله وهي اقليذس والمتوسطات والمجسطي ويشكلها فإذا شرع


[١-) ] منقبعا ر مقبعا.