للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السلطان محمد عظيم الهيبة عادلا حسن السيرة شجاعا [١] . وفي سنة اثنتي عشرة وخمسمائة سادس عشر ربيع الآخر توفي الامام المستظهر بالله وكان عمره احدى وأربعين [٢] سنة وستة أشهر وخلافته أربعا وعشرين سنة. ومضى في أيامه ثلاثة سلاطين خطب لهم بالحضرة وهم تاج الدولة تتش بن ألب ارسلان والسلطان بركيارق والسلطان محمد ابنا ملكشاه.

قال ابو الصلت أميّة المغربي: لما دخلت الى مصر في حدود سنة عشر وخمسمائة أدركت بها طبيبا انطاكيا يسمّى جرجيس ويلقّب بالفيلسوف على نحو ما قيل للغراب ابو البيضاء وللّديغ سليم. وقد تفرّغ للتولّع بأبي الخير سلامة بن رحمون اليهودي الطبيب المصري والإزراء عليه وكان يزوّر فصولا طبيّة وفلسفية يبرزها في معارض ألفاظ القوم وهي محال لا معنى لها فارغة لا فائدة فيها ثم ينفذها الى من يسأله عن معانيها ويستوضحه أغراضها فيتكلم عليها ويشرحها بزعمه دون تيقظ ولا تحفظ باسترسال واستعجال وقلّة اكتراث وإهمال فيوجد فيها عنه ما يضحك منه. (قال) وأنشدت لجرجيس هذا في ابي الخير سلامة بن رحمون وهو من احسن ما سمعت في هجو طبيب مشؤوم:

ان أبا الخير على جهله ... يخفّ في كفّته الفاضل

عليله المسكين من شؤمه ... في بحر هلك ما له ساحل

ثلثة تدخل في دفعة ... طلعته والنعش والغاسل

(قال) وكان ابو الخير هذا يهوديا مصريا قد نصب نفسه لتدريس كتب المنطق جميعها وجميع كتب الفلسفة الطبيعية والالهية وشرح بزعمه وفسّر ولخّص ولم يكن في تحصيله وتحقيقه هنالك بل كان يكثر كلامه فيضلّ. ويسرع جوابه فيزلّ. وكان مثله في عظيم ادعائه وقصوره عن أيسر ما هو متعاطيه كقول الشاعر:

يشمّر للج عن ساقه ... ويغمره الموج في الساحل

(قال) ورأيت بمصر ايضا رزق الله المنجم المعروف بالنخاس [٣] وكان شيخ اكثر المنجمين بمصر وكبيرهم وكان شيخا مطبوعا متطايبا. ومن حكاياته الظريفة عن نفسه


[١-) ] كان عمره سبعا (وروى ابو الفداء ستا) وثلاثين سنة واربعة أشهر. وأول ما دعي له بالسلطنة ببغداد سنة اثنتين وتسعين وقطعت خطبته عدة دفعات. فلما توفي اخوه بركيارق اجتمع الناس عليه اثنتي عشرة سنة.
[٢-) ] س خمسا وعشرين سنة وخمسة أشهر.
[٣-) ] بالنخاس ر بالنخاس.