للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها في ربيع الاوّل توفي السلطان سنجر بن ملكشاه بن ألب ارسلان اصابه قولنج ثم بعده اسهال [١] . وفي سنة اربع وخمسين ثامن ربيع الآخر كثرت الزيادة في دجلة وخرج القورج فوق بغداد فامتلأت الصحارى وخندق البلد ووقع بعض السور فغرق بعض القطيعة وباب الأزج والمأمونية ودبّ الماء تحت الأرض الى أماكن فوقعت وأخذ الناس يعبرون الى الجانب الغربي فبلغت المعبرة عدّة دنانير ولم يكن يقدر عليها.

ثم نقص الماء فكثر الخراب وبقيت المحالّ لا تعرف وانما هي تلول فأخذ الناس حدود دورهم بالتخمين. وفيها في ذي الحجة توفّي السلطان محمد بن محمود بن محمد ابن ملكشاه وملك عمّه سليمان شاه بن محمد. وفي سنة خمس وخمسين وخمسمائة ثاني ربيع الاوّل توفّي الخليفة المقتفي لأمر الله وكانت خلافته أربعا وعشرين سنة وعمره ستا وستين سنة. وهو اوّل من استبدّ بالعراق منفردا عن سلطان وحكم على عسكره وأصحابه من حين تحكم المماليك على الخلفاء ومن عهد المستنصر [٢] الى الآن.

كان في وسط المائة السادسة من الأطباء المشار إليهم في الآفاق ثلثة أفاضل معا من ثلث ملل كل منهم هبة الله اسما ومعنى من النصارى واليهود والمسلمين هبة الله ابن صاعد بن التلميذ وهبة الله بن ملكا ابو البركات أوحد الزمان وهبة الله بن الحسين الاصفهاني. اما ابن التلميذ الطبيب النصراني البغدادي ففاضل زمانه وعالم أوانه خدم الخلفاء من بني العباس وتقدّم في خدمتهم وارتفعت مكانته لديهم وكان موفقا في المباشرة والمعالجة عالما بقوانين هذه الصناعة عمّر طويلا وعاش نبيلا جليلا وكان شيخا بهيّ المنظر حسن الرواء عذب المجتنى والمجتبى لطيف الروح ظريف الشخص بعيد الهمّ عالي الهمّة ذكيّ الخاطر مصيب الفكر حازم الرأي. وله في نظم الشعر كلمات راقية رائقة شافية شائقة تعرب عن لطافة طبعه. ومن شعره:

كانت بلهنية الشبيبة سكرة ... فصحوت واستأنفت سيرة محمل

وقعدت ارتقب الفناء كراكب ... عرف المحلّ فبات دون المنزل

وكان ابو الحسن بن التلميذ يحضر عند المقتفي كل أسبوع مرّة فيجلسه لكبر سنّة.

وتوفّي في صفر سنة ستين وخمسمائة وقد قارب المائة وذهنه بحاله. وسأله ابنه قبل ان


[١-) ] كان مولده سنة تسع وسبعين واربعمائة وخطب له على اكثر منابر الإسلام بالسلطنة نحو أربعين سنة وكان قبلها يخاطب بالملك عشرين سنة.
[٢-) ] كذا في الأصل. ولعل الصواب المنتصر.
ابن العبري- ١٤