للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لمحاربة التاتار فالتقى العسكران بنواحي ارزنكان [١] بموضع يسمّى كوساذاغ واوّل وهلة باشر المسلمون ومن معهم الجيوش النصرانية الحرب وهلوا وأدبروا وولوا هاربين فانهزم السلطان مبهوتا فأخذ نساءه وأولاده من قيساريّة وسار الى مدينة انقورة فتحصن بها. واقام المغول يومهم ذلك مكانهم ولم يقدموا على التقدم فظنوا ان هناك كمينا إذ لم يروا قتالا يوجب هزيمتهم وهم في تلك الكثرة من الأمم المختلفة.

فلما تحققوا الأمر انتشروا في بلاد الروم فنازلوا أولا مدينة سيواس فملكوها بالأمان وأخذوا اموال أهلها عوضا عن أرواحهم واحرقوا ما وجدوا بها من آلات الحرب وهدموا سورها.

ثم قصدوا مدينة قيسارية فقاتل أهلها أياما ثم عجزوا ففتحوها عنوة ورموا فيها السيف وابادوا أكابرها واغنياءها معاقبين على اظهار الأموال وسبوا النساء والأولاد وخربوا الأسوار وعادوا ولم يتوغّلوا في باقي بلاد السلطان. ولما سمع اهل ملطية ما فعل التاتار بقيساريّة هلعوا وجزعوا افحش الجزع. فاجفل رشيد الدين الخويني [٢] أميرها ومعه أصحابه طالبين حلب وكذلك من امكنه الهرب من أماثلها. وكان من جملة من يريد الخروج بأهله والدي فأحضر الدوابّ وكان لنا فيها بغل للسرج فلما أرادوا شدّ الاكاف عليه ليحمّلوه شمص وتفلّت. فبينما هم يتبعونه في الزقاق ليلزموه قالوا لهم: ان الفتيان من العامّة وثبوا في باب المدينة وينهبون كل من رأوه يخرج. فأمسك والدي عن الخروج واجتمع بالمطران دينوسيوس وتشاوروا في مرابطة المدينة وجمعا المسلمين والنصارى في البيعة الكبيرة وتحالفوا ان لا يخون بعضهم بعضا ولا يخالفوا المطران في جميع ما يتقدم إليهم من مداراة التاتار والقيام بحفظ المدينة والبيتوتة على اسوارها وكفّ اهل الشرّ عن الفساد. فنظر الله الى حسن نيّاتهم ودفع العدو عنهم ووصلوا بالقرب من ملطية ولم يتعرّضوا إليها. واما الذين خرجوا من المدينة مجفلين فأدركهم المغول عند قرية يقال لها باجوزة على عشر فراسخ من المدينة فقتلوا الرجال وسبوا النساء والأولاد ومن سلم منهم في المغائر والشعاب والاودية الغائرة من النساء والرجال عاد الى ملطية عريانا حافيا وكان ذلك في شهر تموز سنة ألف وخمسمائة واربع وخمسين للإسكندر. وكرّ المغول على مدينة ارزنكان وملكوها عنوة وقتلوا رجالها وسبوا الذراريّ ونهبوها وخربوا سورها ومضوا. ولما رأى السلطان العجز عن مقاومة التاتار أرسل إليهم رسلا يطلب الصلح فصالحوه على مال وخيل وأثواب وغيرها يعطيهم كل سنة مبلغا معينا مقاطعة.


[١-) ] أرزنجان وأهلها يقولون ارزنكان بالكاف بلدة من بلاد ارمينية بين بلاد الروم وخلاط قريبة من ارزن الروم.
[٢-) ] ويروى: الجويني.