للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها توفّي الامام المستنصر بالله الخليفة ببغداد وكان عاقلا عادلا لبيبا كريما كثير الصدقات عمّر المدارس والمساجد والرباطات القديمة وكان قد تهدّم معظمها ومن شدّة غرامه بمدرسته المعروفة بالمستنصريّة اعمر لصقها بستانا خاصا له فقلّ ما يمضي يوم الّا ويركب في السيارة ويأتي البستان يتنزه فيه ويقرب من شباك مفتح في ايوان المدرسة ينظر الى البستان وعليه ستر فيجلس وراء الستر وينظر الى المدرسة ويشاهد أحوالها واحوال الفقهاء ويشرف عليهم ويتفقد أحوالهم. وكانت مدة خلافته نحو ثماني عشرة سنة.

وفي سنة خمس وعشرين وستمائة توفّي حسنون الطبيب الرهاويّ وكان فاضلا في فنّه علما وعملا ميمون المعالجة حسن المذاكرة بما شاهده من البلاد. وكان اكثر مطالعته في كتاب اللوكري في الحكمة. وكان شيخا بدينا بهيا دخل الى مملكة قلج ارسلان وخدم أمراء دولته كأمير اخور سيف الدين واختيار الدين حسن واشتهر ذكره. ثم خرج الى ديار بكر وخدم من حصل هناك من بيت شاه ارمن وهزار ديناري ثم الداخلين على تلك الديار من بيت أيوب ورجع الى الرها. ولما تحقق ان طغرل الخادم تولّى اتابكية حلب وله به معرفة من دار أستاذه اختيار الدين حسن في الديار الرومية جاء اليه الى حلب ولم يجد عنده كثير خير وخاب مسعاه فانه كان منكسرا عند اجتماعه به وانفصاله عنه. فلما عوتب الخادم على ذلك من احد خواصّه قال: انا مقصّر بحقه لأجل النصرانية. ولما عزم على الارتحال الى بلده أدركته حمّى أوجبت له اسهالا سحجيا ثم شاركت الكبد في ذلك فقضى نحبه ودفن في بيعة اليعاقبة بحلب.

وفي سنة ستّ وعشرين وستمائة توفّي يعقوب بن صقلان الطبيب النصراني الملكي المقدسي وكان مولده بالقدس الشريف وبه قرأ شيئا من الحكمة على تاذوري الفيلسوف الانطاكي وسيأتي ذكره بعد هذا التاريخ. واقام يعقوب هذا بالقدس على حالته في مباشرة البيمارستان الى ان ملكه الملك الأعظم [١] بن الملك العادل بن أيوب فاختصّ به ولم يكن عالما وانما كان حسن المعالجة بالتجربة البيمارستانية ولسعادة كانت له. ثم نقله الملك المعظم الى دمشق وارتفعت عنده حاله وكثر ماله وأدركه نقرس ووجع مفاصل أقعده عن الحركة حتى قيل ان الملك المعظم كان إذا احتاج اليه في امراضه استدعاه


[١-) ] الأعظم ر المعظم وهو الصواب.