عدوّ سواهم فالرأي ان تصالح هذا الملك ومن معه من أمرائه الى ايّ مدّة شئت فانه لا يخالفك في جميع ما تريد منه إذا اصطنعته ووهبت له روحه وتأخذ منه الأموال والجواهر التي له في دمياط ويسلّم إليك دمياط ويذهب في حال سبيله وتأمن شرّه وشرّ اهل ملّته وتستريح من الأمراء واستخدام الجند وتبقي في ملكك من اخترت وتزيل من كرهت. فصغا المعظم الى قولهم واستصوب رأيهم ودبّر الأمر مع ريدافرنس وحلّفه كما أراد من غير ان يشاور الأمراء الكبار في شيء من ذلك. فاحسّوا بالقضية وتحققوا تغيّر المعظم عليهم وما قد نوى ان يفعل بهم فنقموا عليه ووثبوا به فهرب منهم وصعد الى برج من خشب كان هناك فضربوا فيه النار فلما وصلت اليه وشاطته رمى نفسه الى الخليج النيلي. فجاؤوا اليه ورموه بالنشاب وهو في الماء فمات غريقا جريحا.
واتفق الأمراء الترك وقدموا عليهم أميرا منهم يلقب بعزّ الدين التركماني ونهضوا الى ريدافرنس وجددوا معه اليمين وافتدي منهم بألف ألف دينار وتسليم دمياط فاطلقوه ثم سار التركماني من المنصورة الى مصر واقطع الاسكندرية لأمير من الترك يقال له فارس اقطاي وتزوّج شجر الدرّ وصار ملك مصر في قبضتهما. واما ريدافرنس لما وصل الى دمياط أخذ اهله ومن تخلف من أصحابه وخرج عنها وسلمها الى المسلمين واقام هو بعكا وبنى مدينة قيسارية وأصلحها وأسكنها جماعة ثم سار الى بلده.
ولما ولي التركماني الديار المصرية كان الأمر كله الى شجر الدرّ لا تمكّنه التصرّف الّا فيما يصدر عن رأيها فكره ذلك ولم يطق احتماله وهمّ بإهلاكها. فشعرت بذلك وسبقته. ففعلت به ما أراد ان يعمل بها وأشلت عليه المماليك الصغار. وفي بعض الأيام لمّا دخل الحمام وكانوا يسكبون على رأسه الماء ليغتسل جرحوه بالسكاكين فقتلوه. وقيل مقلوا رأسه في الماء داخل الخزانة الى ان اختنق مغطوطا. وأمرت شجر الدرّ ان يخرج ويدفن فأخرجوه ودفنوه في الدار. ولما بلغ ذلك الأمراء الكبار عظيم عليهم فعلها فوثبوا بها وقتلوها ورموها في الخندق فأكلتها الكلاب. وقدموا عليهم واحدا منهم اسمه قوتوز فحلفوا له وملكوه ولقبوه الملك المظفر. ولما استولى المماليك على الديار المصرية سار الملك الناصر صاحب حلب بجريدة الى دمشق فسلمها اليه أهلها فملكها واقام بها وصارت دار مملكته. ثم راسله بعض المماليك من مصر ليسير إليهم فيسلموا له مصر فعبّى عسكره وسار الى نحو الديار المصرية ليملكها كما ملك دمشق. فلما بلغ أمراء الترك ذلك بادروا اليه في عساكرهم والتقوا الشاميين بناحية غزّة وكسروهم وهزموهم فعاد الملك الناصر فيمن