للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأطباء غانغرانا ثم استحكم الفساد فيها حتى آل أمرها الى سفاقلس وهو موت العضو أصلا فقطعوها وهو حيّ. وبينما هو يكابد الشدائد في هذه الحالة وافاه مقدّمو دمياط الذين اخلوها منهزمين فلما قيل له ما صنعوا لأنهم فرّوا عنها من غير ان يباشروا حربا وقتالا عظم ذلك عليه فأمر بصلبهم وكانوا اربعة وخمسين أميرا فصلبوا كما هم بثيابهم ومناطقهم وخفافهم. ثم مات من غد ذلك اليوم. وتولّى تدبير المملكة الأمير عزّ الدين المعروف بالتركمانيّ وهو اكبر المماليك الترك. وكان مرجوعه في جميع ذلك ممّا يعتمده من الأمور الى حظيّة الملك الصالح المتوفّي المسّماة شجر الدرّ وكانت تركية داهية الدهر لا نظير لها في النساء حسنا وفي الرجال حزما. فاتفقا على تمليك الملك المعظم بن الملك الصالح. وكان يومئذ مقامه بحصن كيفا من ديار بكر فأرسلا رسولا في طلبه وحثّاه على المصير إليهم. فسار الى الديار المصرية من غير توقف فبايعوه وحلفوا له وسلموا اليه ملك أبيه.

وفي سنة ثماني وأربعين وستمائة سيّر ريدافرنس عسكرا نحو الفي فارس نحو المنصورة ليجسّ بهم ما هم عليه المصريون من القوة. فلقيهم طرف من عسكر المسلمين فاقتتلوا قتالا ضعيفا فانهزم المسلمون بين أيديهم فدخل الفرنج المنصورة ولم ينالوا منها نيلا طائلا لأنهم حصلوا في مضايق ازقّتها وكان العامة يقاتلونهم بالحجارة والاجرّ والتراب وخيولهم الضخمة لم تتمكن من الجولان بين الدروب. وكان القائد لعسكر المسلمين فخر الدين عثمان المعروف بابن السيف احد الأمراء المصريين شيخ كبير أحاط به الفرنج وهو في الحمام يصبغ لحيته فقتلوه هناك. وعادوا الى ريدافرنس واعلموه بما تمّ لهم مع ذلك العسكر وبالمدينة. فزاد طمعه وطمع من معه من البطارقة ظانّين انه إذا كان الالتقاء خارج الجدران بالصحراء لم يكن للمسلمين عليهم مقدرة. فعبّى جيوشه وسار بهم طالبا ارض مصر. فصبر المصريون الى ان عبر الفرنج الخليج من النيل المسمى اشمون وهو بين البرّين برّ دمياط وبرّ المنصورة. فتوجهوا نحوهم والتقى العسكران واقتتل الفريقان قتالا شديدا. وانجلت الحرب عن كسرة الفرنج وهزموا افحش هزيمة ومنعهم الخليج المذكور من ان يفوزوا وينجوا بأرواحهم فغرق منهم خلق كثير وقتل آخرون وأسر الملك ريدافرنس ومعه جماعة من خواصّه واكابره. فلما حصل ملك الفرنج في قبضة الملك المعظم قال له المماليك الصغار اقرانه: اننا نرى الأمر كله الى شجر الدرّ والأمراء وليس لك من السلطنة الّا اسمها فلو كنت في الحصن كنت ارفه خاطرا منك وأنت صاحب مصر والحكم لغيرك والسبب في هذا ليس الّا حاجتك إليهم في مقاومة الفرنج وليس لك