ان الملك الصالح قد عزم على قتل جميع أكابر النصارى ببلد نينوى وانه بعد ذلك يتوجه الى الشام. وكان قد حصل لهم الشعور بذلك من قبل فصدقوه وتهيّروا هم وما يعزّ عليهم من أولادهم. وشاع الخبر في جميع النصارى ببلد نينوى فكل من امكنه العبور الى اربل سارع بالعبور فعبر اكثر اهل البلد من النصارى وكان ذلك ليلة يوم الخميس.
اما المماليك الذين كانوا قد وصلوا الى شمس الدين بن يونس فلما أصبحوا وصحوا من سكرهم فلم يجدوه فظنّوا انه قد سبقهم بالدخول الى الموصل الى الملك الصالح. ولما دخلوا وعرّفوا الملك الصالح بما جرى وقع في الجزع والخوف وقال: لا نأمن ان ابن يونس يمشي يعرّف بالقضية المغول ويجيب علينا العساكر ويجيء. فتهيّر هو وجماعة من الأمراء والأولاد وأخذوا ما يقدرون عليه مما يمكنهم حمله وخرج من المدينة يوم الجمعة ثاني يوم عبور ابن يونس والنصارى الى اربل صلّى الجمعة وخرج متوجها الى الشام وبطلت عزيمته انه يخرج هو والعسكر الى بلد نينوى ويلزم أكابر النصارى ويأخذ أموالهم ويقتلهم ثم يمشي الى الشام. ثم انه لما خرج من الموصل وقع الخلف بين أمرائه فمنهم من تبعه ومنهم من عاد الى الموصل. والذين عادوا الى الموصل كان كبيرهم الأمير علم الدين سنجر. فلما وصلوا الى الموصل وكانت زوجة الملك الصالح تركان الخوارزميّة في المدينة لم تتوجه معه ولا تبعته وكان في الموصل سحنة اسمه ياسان فاتفقوا هم واتباعهم وغلّقوا أبواب الموصل في وجوههم ولم يمكنوهم من الدخول. فنزلوا خارج المدينة وشرعوا يقاتلون أياما يسيرة. فعند ذلك كان في المدينة رجل اسمه محي الدين بن زبلاق من كتّاب الإنشاء الذين كانوا للسلطان بدر الدين فاتفق هو وجماعة من اهل المدينة وخامروا على تركان خاتون وعلى الشحاني وفتحوا الأبواب. ولما دخل علم الدين وجماعته هرب الشحنة ياسان وتركان واتباعهم وتحصنوا في قلعة الموصل. وثار اهل الموصل على النصارى من الأعوام ونهبوهم وقتلوا كل من وقع بأيديهم وسلم من دخل في دين الإسلام.
واما أكراد الجبال فكان قد قرّر معهم الملك الصالح ان يتهيّروا ويجمعوا جموعهم وينزلوا الى نينوى. ويوم السبت ثاني الجمعة التي خرج الملك الصالح من المدينة نزلوا الى بلد نينوى ونهبوا النصارى المتخلّفين وسبوا وقتلوا. وبينما هم كذلك وذلك في ايام يسيرة من أيار تلك السنة وقع الخبر ان عسكر المغول قد اقبل من صوب الجزيرة فخرج الأمير علم الدين سنجر وجماعته من الموصل واجتمع اليه أمراء الأكراد. فلما صادف العسكر قاتلوهم وقاتلوه. وكان في رأس العسكر تورين [١] شحنة الموصل فأحاطوا بعلم الدين سنجر