الحريات الديمقراطية وما نتج عن ذلك من انتصار قوائمها رغم كل العوائق والتكتلات، وقد دفع عباس وجماعته للتأمل، مرةأخرى، في الواقع الاستعماري والتأكد من أن جماهير الشعب الجزائري لم تعد قادرة على تعبئتها سوى البرامج الداعية إلى التخلص النهائي من السيطرة الأجنبية.
هذه النتيجة قد توصل إليها الحزب الشيوعي الذي لم يتردد في الاعتراف بها صراحة ضمن افتتاحية Alger Républicain الصادرة في عدد يوم ٢٤/ ١٠/١٩٤٧. حيث كتب السيد Rouzé: " لقد حققت قوائم الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية نجاحاً في عدد من النواحي: فالجماهير الشعبية التي خيبت آمالها فيما كانت تطمح إليه من حرية قد عبرت عن استيائها بتلك الطريقة ... وبديهي أن التفاعل مع برنامج الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية إنما يدل دلالة قاطعة على عمق التغيير الذي طرأ إيجابياً على فكرة الوعي الوطني في أوساط الجماهير الشعبية".
وعلى الرغم من تسجيل الهزيمة أمام منافسة الأول، فإن الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري قد حاول، منذ الإعلان عن النتائج الأولى، التظاهر بروح رياضية حيث نشر على أعمدة لسانه المركزي مقالات متعددة فيها تأكيد على أن اختيار الجماهير الشعبية يعد ترسيخاً وتثبيتاً لفكرة الوطن الجزائري التي يتطلب انتصارها النهائي تضافر جهود كل الطاقات الحية في البلاد (٤٦) ..
وإذا كانت الخطوة الأولى في طريق توحيد الطاقات الوطنية قد بدرت عن الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية، فإن قيادة الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري لم تتردد في تقديم العربون على استعدادها لتحقيق الوحدة الجدية والدائمة. أما خطوة الحركة فتمثلت في كتاب وجهه السيد الحاج مصالي في اليوم الثامن من نوفمبر إلى اللجنة المركزية للاتحاد يدعوها فيه إلى الحوار قصد إيجاد السبيل الأمثل لإخراج البلاد من دائرة السيطرة الاستعمارية، وأما عربون الاستعداد الذي قدمه الاتحاد فقد جاء في شكل نشرة صادق عليه المكتب السياسي في اليوم التاسع من نفس الشهر وضمنها عزمه كقيادة عليا على:"العمل من أجل جمهورية جزائرية ديمقراطية واجتماعية بحكومتها وبرلمانها وألوانها الوطنية"(٤٧). كانت تلك نشرة اللائحة إيذاناً ببدء الحوار بين الطرفين، ودليلاً واضحاً على أن تقارباً إيديولوجياً كبيراً قد وقع بين التشكيلتين السياسيتين اللتين أصبحتا بالفعل قادرتين على إبرام الاتفاق من أجل توحيد العمل في سبيل تقويض أركان الاستعمار وبعث الدولة الجزائرية من جديد.