للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصلية التي صادق عليها الطرفان.

أما عن تاريخنا المعاصر وعن ثورة نوفمبر بالذات فإن عمليات التشويه والتزييف والتحريف فيه قد اتخذت أشكالاً وأنواعاً متعددة حتى إننا أصبحنا مكتوفي الأيدي أمام كثرة ما نشر بلغات متعددة وحسب نظريات مختلفة. وإذا كان من الصعب حصر كل المجالات وكل الموضوعات التي تعرضت للتشويه في هذه العجالة، فإننا لا نجد مفراً من ذكر بعض المحاور التي ركز عليها قادة الاستعمار ومؤرخوه ووظفوا كل إمكانياتهم الاعلامية والتربوية والثقافية لتعميمها وإضفاء طابع المصداقية عليها.

هكذا، إذن، فإن المدرسة الاستعمارية للتاريخ قد استعملت كل الأساليب لتشويه التاريخ الجزائري وإفراغه من محتوياته الإيجابية وذلك لتتمكن السلطات الفرنسية، في مرحلة أولى، من فصل المجتمع الجزائري عن قاعدته المتينة التي يرتكز عليها والمتمثلة في ثقافتنا الوطنية وما تشتمل عليه من ثروات هائلة هي دروع واقية وأسلحة فتاكة عندما يحين الأوان، ولتتوصل في مرحلة ثانية، إلى فرض حلولها الكثيرة التي من بينها الاندماج المزيف والمسخ والتذويب.

ففي هذا الإطار هدمت الأوابد وأزيلت الآثار، وضاعت الوثائق الأصلية لتحل محها كتابات تتماشى مع أفعال وتصرفات المستعمر وتخدم في نفس الوقت، أغراضه وأهدافه.

وفي هذا الإطار أيضاً، جُرِّد تاريخنا من أبطاله ومآثره النبيلة الخالدة، مما كان حافلاً به من بطولات ومكارم وأخلاق، وإسهامات حضارية ومواقف إنسانية تشهد كلها على العظمة والعز والقدرة الفائقة على الأخذ والعطاء اللذين هما مقياس البقاء والخلود.

وبعد هذا وذاك، جاء الاستعمار بالمرحلة الثالثة التي مازلنا نعاني منها إلى يومنا هذا، وتمتاز تلك المرحلة بظهور من يوصفون ظلماً وبهتاناً، بالتحرر والتقدمية: مؤرخون ومفكرون من الدرجة الأولى، ما في ذلك شك، ولكنهم غير مجردين من عواطفهم الوطنية فاشرفوا على دراسة العديد من أبناء الجزائر الذين بهرتهم التعابير الرنانة الجوفاء، وخدعتهم المفاهيم السطحية والمصطلحات الشكلية والسلوكات المظهرية إلى درجة أن معلومات الأساتذة صارت قرآناً لا تقبل شكاً ولا تكذيباً. وانطلاقاً من هذه المعطيات أصبح الجزائريون يزيفون تاريخهم بأنفسهم أو يحافظون على واقعه المشوه ويعملون ما لا يستطيع المستعمر فعله لإقناع المواطنين البسطاء بموضوعية ذلك الواقع، بل أكثر،

<<  <  ج: ص:  >  >>