لم يكن المؤتمر تأسيسياً ولا مؤتمراً أول للحركة من أجل انتصار الحريات الديموقراطية كما يذهب إلى ذلك جل المؤرخين والمهتمين بتاريخ الحركة الوطنية، لكنه كان المؤتمر الثالث لحزب الشعب الجزائري (١٤) كما تدل على ذلك الكتابات المعاصرة والشهادات التي لجأنا إليها لتسليط الأضواء على تطور الحياة السياسية في الجزائر خلال الفترة ما بين ١٩٣٩ و ١٩٤٧ (١٥).
هذا من ناحية الشكل، أما من حيث الموضوع، فإن المؤتمر كان أخطر مؤتمرات حزب الشعب الجزائري لأنه جاء نتيجة ضغط الإطارات القيادية الواعية التي استنكرت على السيد الحاج مصالي قرار الدخول في المعركة الانتخابية رغم ما في هذا القرار من تناقض مع أيديولوجية الحزب، مع أنه أسفر عن إثراء أيديولوجي سمح بتجاوز الأمة وتجنب الانقسام الذي كاد أن يعصف بالحزب كله.
قبل هذا المؤتمر، لم تشهد الحركة الوطنية معارضة بمثل قوة ما وقع في تلك الأشهر الأخيرة من سنة ١٩٤٦. إطارات شابة مثقفة وواعية تعلن عن رفضها اتباع الزعيم وتشكل لجنة إنقاذ ويقظة توكل إليها مهمة تعبئة القواعد المناضلة ضد التوجه الجديد الذي لم يشارك أحد منهم في تحديده وإقراره.
وقبل هذا المؤتمر، أيضاً، لم يحدث أن استمع المؤتمرون إلى مسؤولين قياديين يناقشون بصراحة، لا تعرف الحدود، برنامج الحزب ويبدون آراءهم بحرية مطلقة حول واقعه ومستقبله.
وعلى الرغم من السرية التي أحاطت الاجتماعات (١٦)، وعلى الرغم من الجو المكهرب الذي سبق انعقاد المؤتمر، فإن هذا الأخير قد استمع إلى تقريرين في منتهى الأهمية.
أما التقرير الأول فقد قدمه السيدان حسين لحول وشوقي مصطفاي وهو يتعلق بموقف الحزب من الانتخابات. فقيادة حزب الشعب الجزائري ظلت، طيلة سنوات الحرب الإمبريالية الثانية، تدعو إلى مقاطعة كل أنواع الاقتراع، وقد كانت، في تشددها، ترفع شعار:"من انتخب كفر". وبالتدريج، انتشرت الفكرة في أوساط القواعد المناضلة التي عممتها، بدورها، في أوساط الجماهير الشعبية. ثم هاهو الزعيم، وبدون سابق إنذار، يقرر المشاركة في المعركة الانتخابية. هنا يطرح السؤال نفسه: كيف يكون إقناع المناضلين بضرورة هذه الردة؟ وكيف يمكن للمناضلين أن يقنعوا جماهير الشعب بجدوى هذا التحول