خططت لها الإدارة الاستعمارية لزرع الشقاق في أوساط حزب الشعب الجزائري قصد منعه من توظيف الدروس المستخلصة من حركة مايو الثورية التي برهنت بما لا يدع أي مجال للشك على أن الشعب الموحد وراء قيادة متنورة قادر على صنع المعجزة. وقد استفاد من مراحل تنفيذ المؤامرة كل من الشيوعيين واللائكيين الذين يهمهم
ضرب الإيديولوجية الوطنية في أعماقها. الشيوعيون وجدوا فيها ضالتهم التي ركبوها للتدليل على أن الأمة الجزائرية لم توجد بعد وما العرب والقبائل إلا بعض العناصر المكونة لها وهي ملزمة بالعمل على أن تتعايش مع بقية العناصر التي من جملتها: اليهود والفرنسيون والإيطاليون والمالطيون والإسبان والأتراك، وأما اللائكيون، فإنهم استغلوا الوضع الجديد للمطالبة بتحييد الإسلام عن كل نشاط سياسي خاصة وأن معظمهم من ضحايا حركة التنصير في الجزائر.
ولقد كان السيد كريم بلقاسم (٥٥) من المسؤولين الأوائل الذين تفطنوا للمؤامرة، وتصدوا لها بكل إمكانياتهم المادية والأدبية، يكفي أنه كان يردد في سائر الاجتماعات التي كان يترأسها عبر مختلف أنحاء ولاية تيزي وزو: إن النزعة البربرية لا يمكن إلا أن تضر مساعينا الوطنية. إنها سلاح فتاك نضعه بأنفسنا بين أيدي عدونا الاستعمار "وفي يوم من الأيام، سوف تقودنا هذه الفكرة إلى التناحر فيما بيننا نحن الذين توحدنا عقيدة واحدة"(٥٦).
لم يكن هذا الموقف الواعي وليد الصدفة ولا من محض تفكير السيد بلقاسم كريم، بل أن إيديولوجية الحزب وسائر برامجه السياسية هي التي فرضت ذلك وهي التي لم تتوقف الإدارة الاستعمارية عن السعي للقضاء عليها بجميع الوسائل. فالعروبة والإسلام يشكلان الأرضية الصلبة التي تتركز عليها مقومات الأمة، وقد كان حزب الشعب الجزائري يتخذ منهما تعبيراً عن الذاتية الجزائرية ويأتي بهما في مقدمة مقومات الأمة التي تترابط بها أجزاؤها وتتوحد ميولات أبنائها من أجل الاستماتة في سبيل استرجاع السيادة المغتصبة والكرامة المهدورة وبعث الدولة المغيبة. كل هذا، كان المناضلون يعرفونه ويؤمنون به ويعملون لنشره في أوساط الجماهير الشعبية، وكان القياديون، أكثر من غيرهم، يجهدون النفس في سبيل ذلك ويرفضون أن يعتدى عليه من أي كان.
ولقد كانت الإدارة الاستعمارية تدرك جيداً الدور الإيجابي الذي تؤديه العروبة والإسلام في عملية التوعية والتجنيد الضرورية لتنظيم الشعب الجزائري وإعداده لخوض المعركة الحاسمة، ولأنها كانت تدرك ذلك، فإنها