ومباشرة بعد حركة مايو الثورية قد لجأت إلى اختيار عدد من العناصر (٥٧) المتشبعة بالثقافة الغربية والمتنكرة بجهلها للحضارة العربية الإسلامية، فدفعت بها إلى صفوف حزب الشعب الجزائري تفجرها من الداخل، وساعدت على إنجاز تلك المهمة مجموعة من العوامل أهمها ما يلي:
١ - خيبة الأمل التي أصابت القواعد المناضلة في حزب الشعب الجزائري من جراء الأوامر المضادة التي منعت الثورة من الانتشار وفقاً للمخطط الذي وضع لها والذي تعرضنا له بالتفصيل في معالجتنا لحركة مايو الثورية.
٢ - ملل الإطارات القيادية الشابة والمتعلمة منها على وجه الخصوص من الرتابة، وجنوحها إلى كل ما من شأنه أن يحدث الانقلاب الجذري في مناهج التسيير الحزبي التي طغى عليها القرار الفردي بحجة الالتزام بمبدأ الانضباط واحترام السلم التصاعدي.
٣ - ضعف التكوين الأيديولوجي في أوساط القواعد المناضلة وذلك نتيجة اكتفاء القيادات، على جميع المستويات، باجترار بعض المبادئ والأهداف دون اللجوء، من حين لآخر، إلى عمليات الإثراء التي تأخذ في الاعتبار تطور واقع المجتمع وإمكانيات العمل من أجل تحسينه.
٤ - تخاذل الأنظمة العربية أمام الهجوم المنظم الذي شنه الصهاينة على فلسطين، وتلاحق الهزائم العسكرية التي عزتها الدعاية الإمبريالية إلى تخلف الإسلام وعجزه عن مواكبة العصر وتمكين المسلمين من النفاذ إلى ميادين العلم والتكنولوجيا.
وكان أكثر العناصر المدسوسة حقداً على العروبة والإسلام الطالب رشيد علي يحيى الذي لم يكن مناضلاً معروفاً، بل أن صلة الرحم هي التي جعلت عضو اللجنة المركزية واعلي بناي (٥٨) يتدخل، من سجنه، لدى مسؤول التنظيم السيد أحمد بوده ملتمساً مساعدته على الالتحاق بصفوف فدرالية الحزب بفرنسا وهو ما وقع بالفعل.
ربما أن المساعدة كانت مصحوبة بتوصية، فإن علي يحيى قد تمكن من المشاركة في الندوة الفدرالية التي انعقدت إثر وصوله إلى فرنسا في شهر نوفمبر سنة ١٩٤٨، وليس ذلك فقط، بل أن التوصية قد فتحت له كذلك باب المسؤولية فعين من بين أعضاء اللجنة المديرة وأسندت له رئاسة تحرير جريدة النجم التي سارع إلى توظيف أعمدتها لنشر النظرية الاستعمارية كما وردت في