فالدعوة إلى تكوين جبهة مضادة بالكيفية المشار إليها أعلاه قد أحدثت خلافاً كبيراً في أوساط المثقفين الذين كانوا يعبرون عن التيارات السياسية السائدة في قيادة الحزب الشيوعي الجزائري الذي أسندت له مهمة "تعريب القواعد المناضلة" أي فتح باب الانخراط أمام العرب وهي التسمية التي كانت تطلق على الجزائريين الأصليين (٢) ونتيجة لذلك أيضاً، نشر السيد نشمان ليست Nechman List كتاباً تحت عنوان "القضية الجزائرية"(٣) يدعو من خلال صفحاته القليلة إلى "أنجاز الثورة الزراعية المناهضة للامبريالية والكفيلة وحدها بإعطاء الجزائر استقلالها وبتمكينها من تنمية قواها الإنتاجية التي كبلها الاستعمار".
ففي تلك الأجواء التي تميزت بكثير من التردد حول الموقف الذي ينبغي اتخاذه حيال الجزائر المستعمرة وشعبها المضطهد، برزت أسماء مجموعة من القياديين الشيوعيين الذين يأتي في مقدمتهم السادة عمار أوزقان وابن علي بوقرط وقدور بلقاسم الذين نزلوا إلى ميادين العمل النضالي متشبعين بالأيديولوجية الشيوعية ومركزين على تحقيق هدفين أساسيين هما:
السعي لإنجاح الجبهة الشعبية في إنجاز اصلاحاتها وخاصة منها مشروع بلوم فيوليت، والإسهام بفعالية في عقد المؤتمر الإسلامي وتمكينه من تحقيق أغراضه.
أما مشروع بلوم فيوليت (٤) فنوع من التنويم المغناطيسي الذي قدمته الإدارة الاستعمارية في شكل إصلاح سياسي يرمي إلى ترقية شريحة محدودة من المجتمع المسلم في الجزائر، لكنه، في الحقيقة، لم يكن سوى وثيقة تعطي حق الانتخاب فقط للجزائريين الذين يتوفر فيهم واحد من تسعة شروط (٥) لا يمكن العثور عليها في أكثر من خمسة وعشرين ألف جزائري. وعلى الرغم من ذلك، ومن أن المشروع حظي بقبول أغلب التيارات السياسية بما في ذلك الشيوعيين الجزائريين والمنتخبين والعلماء المسلمين الجزائريين، فإن الكولون قد رفضوه رفضاً مطلقاً وتمكنوا في النهاية من تجميده وإفشاله.
وأما المؤتمر الإسلامي فلا علاقة له بالمؤسسات الإسلامية كما قد يتبادر إلى الذهن، بل سمي كذلك لأنه دعي إلى الانعقاد للنظر في شؤون المسلمين أي سكان الجزائر الأصليين لأن مصطلح "الجزائريين" كان في ذلك الوقت مقصوراً على الأوربيين والمتجنسين بالجنسية الفرنسية. وفي مفهوم الإدارة الاستعمارية،