عدم المساهمة في الحرب إلا إذا تعهدت فرنسا في مقابل ذلك بالتخلي عن الاستعمار وتمكين الجزائر من ممارسة حقها في تقرير مصيرها، فإن الحركة الشيوعية قد اتهمتها بالخيانة وبالعمل في ركاب الفاشية والنازية. واعتقد الشيوعيون أن في استطاعتهم النفاذ إلى أوساط الجماهير الشعبية فرفعوا شعار الأخوة والعدل والمساواة زاعمين أن مشروع بلوم فيولات يحمل كل ذلك في طياته ومذكرين بأن المؤتمر الإسلامي كان قد وافق عليه وسعى لتجسيده على أرض الواقع.
لقد كان الحزب الشيوعي الجزائري عاجزاً عن التفاعل مع قضايا الجماهير الشعبية وغير قادر على الارتقاء إلى مستوى الصراع الحضاري الذي لم يتوقف في الجزائر، منذ سنة ١٨٣٠، لأجل ذلك، فإنه كان يرتكز في أدبياته، على أن مشكل الجزائريين لا يتعدى مسألتي الخبز والشغل، فإذا تمكنت الإدارة الفرنسية من أن توفر لهم ذلك من أن تكفيهم شر الاستبداد الذي يمارسه غلاه الكولون، فإنها ستضمن الهدوء والاستقرار من جهة وتجعلهم يقدمون، بمحض إرادتهم، على المشاركة الفعلية في التصدي للنازية من جهة ثانية.
وحينما توحدت تيارات الحركة الوطنية حول "بيان الشعب الجزائري" الذي سلم للسلطات الفرنسية ولممثلي الحلفاء في الجزائر، والذي كان يدعو إلى الاعتراف بالمواطنة والجنسية الجزائريتين وإلى التعهد بتمكين الشعب الجزائري من تقرير مصيره بنفسه وبعث دولته المستقلة بعد استرجاع سيادته المغتصبة، فإن الحزب الشيوعي الجزائري قد اعتبر ذلك خيانة وجعل سياسته تتمحور حول المطالبة بتحسين الأجور وتطبيق المساواة فيما يتعلق بالحقوق الاجتماعية من جهة، وحول ما يسمى بالإصلاحات التي بشر بها مشروع بلوم فيوليت وتبنتها أمرية الجنرال ديغول من جهة ثانية (١١).
من هذا المنطلق، فإن الحزب الشيوعي الجزائري لم يكن سوى تابع للحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان، منذ اندلاع الحرب الإمبريالية الثانية، شريكاً قوياً في حركة المقاومة التي تزعمها الجنرال ديغول، وبتلك الصفة لبس عباءة الوطنية الضيقة التي تسعى إلى استرجاع السيادة الفرنسية وهو أمر طبيعي، وإلى الحفاظ على حدود الإمبراطورية الاستعمارية الشاسعة وهو موقف يتناقض تماماً مع الماركسية اللينية ومع أهداف الأممية الشيوعية التي كانت، يومها، ترفع شعار حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.
فالشيوعيون الفرنسيون والجزائريون، على حد سواء، كانوا، إذن، مجندين،