إن الحزب الشيوعي الجزائري لا يريد أن ينظر إلى تلك الحقيقة التاريخية كما أنه يغض الطرف عن مساهمته الفعلية في جرائم الحرب المرتكبة ضد الشعب الجزائري في مايو ١٩٥٤ ويتناسى أنه كان من الآمرين بتشغيل الأفران المحرقة في نواحي مدينة قالمة. ودون أن يقدم مبرراً لأفعاله تلك، يأتي فيدعي أحقية المشاركة في النضال الوطني من أجل تقويض أركان الاستعمار الذي كان قبل سنوات ثمان قد دافع عنه بالحديد والنار ضد العزل والأبرياء.
إن الحزب الشيوعي الجزائري يتجاوز كل ذلك ويروح يبحث عن عدم الاستجابة إلى ندائه في أسباب يحاول ايهام القراء بأنها هي الصحيحة فيقول:"إن أهمها هو ما تعانيه الحركة من أجل انتصار الحريات الديموقراطية من صراع بين المركزيين والمصاليين"(٥٢) ثم هناك ما اقتطفته جريدة ليبرتي في عددها الصادر بتاريخ ٢٣/ ٩/١٩٥٤ من مقال نشر على أعمدة "الأمة الجزائرية" في عددها الصادر بتاريخ ١٠ سبتمبر من نفس السنة ومفاده "أن الحركة من أجل انتصار الحريات الديموقراطية قد حاولت الاتحاد مع أحزاب أخرى لكنها لم تنجح لأنها كانت تريد من الآخرين أن يتبنوا برنامجها"(٥٣).
إن هذا التعليل غير صحيح غير أن السيد حفيظ خطيب (٥٤) قد لجأ إليه للتدليل على حسن نية الحزب الشيوعي الجزائري في كل ما كان يقوم به من المساعي لتحقيق الوحدة الوطنية في الجزائر. ونقول إن التعليل غير صحيح لأن الحركة من أجل انتصار الحريات الديموقراطية لم تكن وحدها، بل هناك الاتحاد الديموقراطي للبيان الجزائري وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين والشخصيات الوطنية المستقلة وكلها لم تكن مصابة بالصراع الداخلي "بين المركزيين والمصاليين" ورغم ذلك فإنها رفضت الاستجابة للنداء. فالسبب الحقيقي إذن يكمن في كون منطلقات الحزب الشيوعي الجزائري وأهدافه متناقضة تماماً مع أهداف أطراف الحركة الوطنية الجزائرية ومنطلقاتها الأيديولوجية. أما عن المقال المنشور على أعمدة "الأمة الجزائرية" والمستظهر به، فإنه كان خاصاً بالاتحاد الديموقراطي للبيان الجزائري وبجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذين كانوا شركاء في "حركة أحباب البيان والحرية" التي حاربها الحزب الشيوعي بوحي من الإدارة الاستعمارية عندما أسس لمناهضتها "أحباب الديموقراطية".
إن الحزب الشيوعي الجزائري قد أسس، منذ البداية، لضرب الحركة الوطنية الجزائرية وتحييدها عن خطها الثوري ولإفساد مرجعيتها الفكرية