وبالنسبة للمنطقة الخامسة، فإن الأمر كان مغايراً تماماً، ذلك أن عمليات ليلة الفاتح من نوفمبر لم تكن ناجحة في معظمها، وتمكنت القوات الاستعمارية من إلحاق خسائر فادحة بتلك المجموعات الأولى من المجاهدين الذين كان يقودهم الشهيد العربي بن المهيدي. ومن جملة القتلى الأول من الثورة: الشهيد ابن عبد المالك رمضان النائب الأول لقائد المنطقة.
ولقد تأثر الشهيد ابن المهيدي بتلك النتائج السلبية التي عرفتها منطقته فحاول الاتصال بالعاصمة، تارة وبالمغرب الأقصى تارةأخرى، يبحث عن الأسلحة وعن أحسن الوسائل التي تمكنه من تجاوز المحنة.
وإذا كان مشكل الأسلحة سيظل قائماً طوال تلك السنة الأولى من الثورة تقريباً، فإن ابن المهيدي قد وجد في السيد عبد الحفيظ بو الصوف (١) نائباً توفرت فيه كل الشروط المطلوبة في القائد الناجح، لقد كان ذكياً متعلماً ومثقفاً، كما أنه كان رهيف الحس يتمتع بمقدرة كبيرة على فهم الآخرين وعلى ربط العلاقات الإنسانية اللازمة خاصة في مثل تلك الظروف.
ومن الجدير بالذكر، أن بوصوف استطاع، بفضل حركته وبفضل المجهودات الجبارة التي كان يبذلها في جميع الأوقات وبكل المناسبات، أن يعيد تنظيم المنطقة، ويوفر لها الوسائل والإمكانيات المادية والبشرية التي ستسمح لها بالانطلاقة من جديد بمناسبة العيد الأول لميلاد الثورة.
وعلى الرغم من أن المنطقة الخامسة قد قضت كل تلك السنة الأولى في التأهب والاستعداد، فإن السلطات الاستعمارية لم تسرح، وظلت تتابع، عن كثب تحركات المناضلين لعلها تتمكن من القضاء على الحركة قبل ميلادها. وفي هذا الإطار، أراد الوالي العام: السيد جاك سوستيل أن يفرض على مدينتي مغنية
(١) يعتبر من القادة الأساسيين للثورة الجزائرية، تكون خاصة في إطار المنطقة الخاصة التي كان يحتل مكانة مرموقة في صفوفها واحد من الاثنين والعشرين سبر دائرة سكيكدة للحزب سنتي ١٩٥٢ - ١٩٥٣، ثم عين على رأس دائرة تلمسان، عندما اندلعت الثورة عين نائباً أول للشهيد العربي بن مهيدي الذي خلفه سنة ١٩٥٦ على رأس الولاية الخامسة التي قادها إلى غاية ١٩٥٨، تولى مسؤولية تسليح الثورة وتنظيم المخابرات التي بلغت، في عهده، أعلى المستويات، هو الذي وفر لهواري بومدين شروط ارتقاء سلم المسؤوليات قبل أن يتركه على رأس الولاية الخامسة. انعزل عن السياسة بعد وقف اطلاق النار ومات بسكتة قلبية .....