للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن ذلك النجاح ليخفى على الإدارة الاستعمارية التي كانت تقابله بمحاولات يائسة تتمثل في الترهيب والترغيب وفي الإعلان عن عدم اعترافها بالصلح الذي يحدث والتآخي الذي يتم (١). ويندرج الإشراف على المجالس الشعبية ضمن اختصاصات المحافظين السياسيين الذين يتولون كذلك، مهام تربية الجماهير وتنظم التعليم والإعلام والدعايةإلى جانب القيام بتوجيه الحرب النفسية على مختلف الجبهات (٢).

فالاستعمار الذي لم يفته التطور السريع الذي تعيشه الثورة في كافة المجالات لم يعد مكتفياً بالعمليات العسكرية التي ينظمها في سائر أرياف الوطن ويوفر لها ماتحتاج إليه من عدة وعتاد وحينما رأى تلك العمليات تعداها إلى التركيز على تسخير الإمكانيات المادية والبشرية لمحاولة تحييد الجماهير في مرحلة أولى قبل الدفع بها في معسكره تساعده على إخماد أنفاس الثورة. وقد كان المحافظون السياسيون يتصدون إلى هذه المساعي قصد إحباطها بجميع الوسائل. فقد كانوا يعتمدون على وسائل الإقناع، وعندما يشعرون أنها لم تعد تجدي نفعاً، فإنهم يلجأون إلى الترهيب الذي كثيراً مايكون مصحوباً بالتنفيذ الفعلي. وفي بعض الأحيان توظف الخرافة واللامعقول إذا كان ذاك ضرورياً لرفع معنويات الجماهير الشعبية أو لتنشيط عزائم العدو أو لتحقيقهما معاً (٣).

وهكذا فإن مؤتمر الصومام لم يكتف بترسيم وظيفة المحافظ السياسي، ولكنه جعلها أساسية بالنسبة لمسار الثورة. فالمحافظ مسؤول متجول، يقضي كل أوقاته في التنقل بين المداشر والمشاتي يراقب المجالس الشعبية ويجمع ما أمكن من المواطنين يكونهم سياسياً وينشر بينهم إيديولوجية جبهة التحرير الوطني. وفي ذات الوقت، كان يزور وحدات جيش التحرير الوطني يزودها بالأخبار ويحلل أمامها المعطيات السياسية في داخل البلاد وفي خارجها، ويسجل الاحتياجات والمطالب التي يناقشها مع المسؤولين الأعلى ويعمل على الاستجابة لها بقدر الإمكان وفي حدود المستطاع.


(١) صدى الجزائر، عددها الصادر بتاريخ ٢١/ ٠٦/١٩٥٥.
(٢) حول اختصاص المحافظ السياسي انظر المجاهد، العدد ١١ الصادر بتاريخ ٠١/ ١١/١٩٥٧، ص ١٤٦.
(٣) من ذلك أن المحافظين السياسيين كانوا يشيعون في أوساط الجماهير أن الملائكة، عندما تشتد المعارك، تنزل من السماء لنصرة المجاهدين، وأن الله أعطى للمجاهد قدرة للتحول بكل سهولة وسرعة فائقة إلى الهيأة التي يريدها. من ثمة فإنه يستطيع الدخول إلى ثكنات العدو أو التجول في شوارع المدينة والقرية دون أن يشعر بوجوده أحد باستثناء المناضلين.

<<  <  ج: ص:  >  >>