للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستيطاني ولتصور النهج الذي لابد من اتباعه للقضاء على آثار السيطرة الأجنبية ولبناء المجتمع الذي يكون في مستوى ثورة نوفمبر.

صحيح أن التركيز، في وثيقة وادي الصومام، كان على المجالين السياسي والعسكري لأن الهدف الرئيسي المستعجل كان هو استرجاع السيادة المغتصبة، لأن البناء الاقتصادي والثقافي مرهون بالتخلص من الوجود المادي للاستعمار الذي لا يزيله سوى العنف في الداخل والعمل الديبلوماسي المكثف في الخارج، لكن، رغم ذلك، فإن المتفحص للوثيقة، يجد أن المؤتمرين يؤكدون على أن السياسة الزراعية في الجزائر ظلت، منذ بداية الاحتلال قائمة على اغتصاب الأراضي الخصبة من أصحابها الخواص أو من المؤسسات الدينية والإدارية وتمليكها للكولون ولشركات الاستغلال الأوربية بصفة عامة لأجل ذلك فإن الهدف الأول، بعد التخلص من السيطرة الأجنبية يكون متمثلاً في إيجاد طريقة مثلى لإعادة المياه إلى مجاريها وجعل المغتصبة حقوقهم يسترجعون بعض ما أخذ منهم بالقوة.

ولأن السلطات الاستعمارية مدركة لهذا المصير الحتمي الذي يأتي نتيجة عملية استرجاع السيادة الوطنية، على انتهاج سياسة الترغيب والمرونة تجاه سكان الريف الذين لم يكن يخفى عليهم أنهم سيشكلون القاعدة الأساسية لانتشار الكفاح المسلح ونجاحه. وفي إطار تلك السياسة أعلنت الحكومة الفرنسية عن عزمها على إجراء إصلاح زراعي قد يصل إلى حد توزيع جزء من الأراضي المسقية على المعدمين من الجزائريين. وذهب السيد لاكوست إلى أبعد من ذلك عندما صرح أنه يفكر في الإقدام على انتزاع مساحات هامة من المزارع الكبرى وتقسيمها على الفلاحين الجزائريين (١).

ومن المعلوم أن كل تلك التصريحات لم تتعد حدود الكلام الذي سرعان ما اختفى عندما ارتفعت أصوات غلاة الكولون الداعية إلى استبدال ما أسمته لينا بالقمع وبتطبيق سياسة الأرض المحروقة.

فأمام إعراض أولئك الكولون، تراجعت السلطات الاستعمارية التي وجدت، في الواقع، لخدمتهم. وللحفاظ على ماء الوجه أصدرت قراراً يقضي بإصلاح نظام الخماسة (٢) الذي كان الفلاحون قد أصلحوه مجبرين نتيجة انتشار الكفاح المسلح.


(١) Echo d ' Alger du ١٤.٠٢.١٩٧٥
(٢) Soustelle (J) aimée et souffrante Algérie , p . ١٩٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>