للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالخماسة التي زعم لاكوست أنه يدخل عليها إصلاحات من شأنها أن تحسن أوضاع أبناء الريف الجزائري لا علاقة لها بالنهج الاستغلالي المتبع من طرف الأوربيين الذين كانوا يعاملون العمال معاملة البهائم، وحينما أحس المزارعون الجزائريون أنهم لا يستطيعون التصدي لتجاوزات الغزاة وعملائهم، صاروا يبحثون عن الفلاح الذي يقبل استثمار الأرض بالمناصفة ولم يكن لسلطات الاحتلال أي دخل في الموضوع لأن الأمر كان يتعلق بإيجاد من يعرض نفسه للخطر مقابل ناتج غير مضمون (١) وعلى هذا الأساس، فإن تطور الخماسة وتحولها إلى مناصفة إنما جاء نتيجة حتمية لانعدام الاستقرار والأمن في الأرياف ولقيام الجيش الفرنسي بتعميم سياسة الأرض المحروقة مما جعل مالك الأرض يوكل فلحها لمن تكون لهم الشجاعة الكافية لمواجهة التحدي بكل أنواعه.

أما الأوربيون الكولون، فإنهم كانوا يستنجدون بالأجناد، يدفعون لهم ما يستحقون، لمواصلة خدمة أراضيهم بواسطة اليد العاملة الجزائرية. ولم يتغير في طريقة الاستغلال سوى سلوك الأفراد الذين صاروا يحجمون عن إهانة العمال ليس تأدباً ولكن خوفاً من انتقام المجاهدين.

من هذا المنطلق، نستطيع القول إن تحليل المؤتمرين لسياسة الاستعمار الزراعية كان مصيباً حيث ركز على أن "سلطات الاحتلال لم تلجأ إلى مخادعة الفلاحين الجزائريين إلا لتصرفهم عن الثورة (٢) لكن هذه المخادعة رغم ما أحيطت به من عناية، لا يمكن إلا أن تفشل مثل ما فشلت سابقتها التي استعملت لتطبيق مقولة "فرق تسد" ومخططات التجزئة التي تبقي المجتمع الجزائري في حالة الضعف الذي يمنعه من النهوض لاسترجاع الكرامة.

إن الجزائر بلد زراعي ما في ذلك شك، وإذا كان ريفها قد تعرض للاستغلال بجميع أنواعه لنهب ما فيه من خيرات طيلة أكثر من قرن من الاحتلال (٣) فإنه بمجرد الإعلان عن الثورة، لم يتردد في احتضانها بصدق وإخلاص. وقد كان أبناؤه وهم يعلنون عن التزامهم بجبهة التحرير الوطني، يدركون أن الاستعمار الاستيطاني أخذ منهم كل شيء بما في ذلك الأرض التي هي أعز ما يملكون. ونظراً لتمسك المحتل بما أحرز عليه من مغنم، وإصراره


(١) المنطقة الوطنية للمجاهدين، أشغال المؤتمر الأول لكتابة التاريخ. ص ٤١٠.
(٢) المجاهد، العدد الخاص، ص ٧١.
(٣) أنظر: الفصل الأول من الباب الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>