للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن تحرير الأرض، في منظور ثورة نوفمبر، لا يتوقف عند تخليصها من السيطرة بل يتعدى ذلك إلى إعادة تأهيل مساحاتها الشاسعة وإعادة النظر في طرق التعامل معها بحيث تستعيد وظيفتها التي كانت تقوم بها قبل أن يفرض عليها الاحتلال.

من هذا المنطلق، فإن تحرير الأرض يشمل، في ذات الوقت، استرجاع السيادة الوطنية على كافة المساحات المغتصبة والمستغلة سواء في طرف المستعمرين الفرادى والشركات الإمبريالية أو من طرف العملاء من المواطنين، وتخليصها من أنواع الزراعة التي أدخلت إلى بلادنا لتلبية بعض حاجات الفلاحة في فرنسا (١)، ومن جهة أخرى، يتطلب تحرير الأرض إعادة صقل ذهنية الفلاح الجزائري والتركيز على استصلاح المساحات الشاسعة في الهضاب العليا وفي الصحراء (٢)، لأن الجزائر ليست هي الشريط الساحلي فقط ولأنها تتلقى، سنوياً كميات هائلة من مياه الأمطار التي يضيع أكثر من خمسة أسداسها في البحر (٣)، كما أن باطن أراضيها يحتوي على مليارات الأمتار المكعبة القابلة للتجديد.

وبهذا المفهوم، فإن عملية تحرير الأرض كان يتوقف تحقيقها على ظهور ونجاح حركتين أساسيتين أولهما عسكرية واعية تستعمل العنف المتنور وتضم في صفوفها طلائع مؤمنة برسالتها وقادرة ليس على الاستشهاد فحسب، بل كذلك، وفي المقام الأول، على ربح ثقة الجماهير التي هي ضرورية لربح المعركة ضد المستعمر الذي يملك العدة والعتاد، وثانيتها ثقافية وطنية تستعمل التخطيط العقلاني ولا تتردد في اللجوء إلى العنف الثوري للقضاء على دابر التبعية بكافة أنواعها. هاتان الحركتان متلازمتان ومترابطتان أشد الارتباط بحيث يظل انتصار الواحدة لا شيء ما لم تتمكن الأخرى من تجسيد جل أهدافها على الأقل.

لقد أدرك المؤتمرون أن تحرير الإنسان يكتسي نفس أهمية تحرير الأرض، لأن المواطن الحر لا يعيش على أرض مستعمرة، ولا يكون الإنسان حراً إلا إذا استطاع تخليص أرضه من كل أنواع العبودية لأجل ذلك فإنهم دعوا


(١) مثال ذلك زراعة الكروم المنتجة لعنب الخمور التي حلت محل حقول الأرز خاصة، وزراعة التبغ التي احتلت مساحات كبيرة من الأراضي التي كانت تنتج القمح.
(٢) إن الاستعمار الفرنسي، طيلة المدة التي بقيها في الجزائر، لم يهتم باستصلاح أراضي الجنوب التي تعتبر من أخصب الأراضي وأشخاصها في العالم.
(٣) المجاهد العدد الخاص، ص٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>