للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتمردين ولإرغام الحكومة الفرنسية على تغيير سياستها.

وبالفعل، فإن المظاهرات التي جرت صاخبة لكنها لم تمنع ديغول من توجيه أوامره إلى كل من دولوفريي وشال لإستعمال العنف في سبيل إسترجاع الهدوء ثم أخذ الكلمة، عن طريق الإذاعة، في اليوم الثالث للتمرد فوصف الأحداث بالعصيان الذي لا يمكن أن يثنيه عن الطريق التي اختارها لفرنسا في تعاملها مع القضية الجزائرية ولما أحس بأن ثمة تردداً في موقف القائد الأعلى للقوات المسلحة نفسه وخشي أن تسري العدوى إلى فرنسا ذاتها، ارتدى زيه العسكري في اليوم التاسع والعشرين من شهر جانفي ووجه خطاباً متلفزاً إلى الشعب الفرنسي للتأكيد على أن تقرير المصير "قرار حكومي صادق عليه البرلمان ووافقت الأمة الفرنسية على أنه المخرج الوحيد الذي بقي ممكناً" (١). وبعد هذا الخطاب الذي كان شديد اللهجة تدخل الجيش بقوة في اليوم الموالي وقضى على التمرد برفع الحواجز وتنظيف الطرقات وإعتقال رؤوس الفتنة وفي مقدمتهم لاقيارد ودوسيزيني ودو ماركي في حين تمكن أورتيز من الفرار إلى إسبانيا في إنتظار تكوين منظمة الجيش السري (المنظمة السرية المسلحة).

صحيح أن رئيس الدولة الفرنسية قد واجه، بحزم، هذا التمرد منذ بدايته (٢) لكنه لم يفعل ذلك حباً في الجزائر أو رغبة في تمكين شعبها من ممارسة حقه في تقرير مصيره. لقد كان بإمكانه أن يفعل ذلك عندما كان قائد فرنسا بلا منازع خلال الحرب الإمبريالية الثانية، لكن قناعته الإستعمارية ووطنيته الضيقة منعته، في ذلك الوقت من القيام بأعمال العظماء الأحرار، وجعلته، في سنة ستين، يشتت صفوف المتمردين على سلطته ويعمل في ذات الوقت على تلبية مطالبهم لأنها هي نفس مطالبه وهي تتمثل، رغم التظاهر بالجنوح إلى السلم والتصريحات المتتالية الداعية جبهة التحرير الوطني إلى التفاوض، في التعجيل بإعدام أسرى الحرب والمعتقلين السياسيين وفي تكثيف العمل العسكري من أجل القضاء على جيش التحرير الوطني وإبراز قوة ثالثة تقبل بالحلول التي تمليها فرنسا والتي لا تكون متناقضة مع مصالحها في جميع الميادين.

إن الجنرال ديغول الذي يريد الحفاظ، بشتى الوسائل، على السمعة التي أكتسبها عالمياً، يقدم تفسيراً خاصاً لأوامره القاضية بتكثيف العمل العسكري في الوقت الذي كان يدعو فيه إلى السلم عن طريق التفاوض، ففي هذا الصدد يؤكد


(١) نفس المصدر، ص: ٨٦.
(٢) HORNE (ALISTAITR) HISTORI DE GUERRE DALGERIRE, P. ٣٧٠ ET

<<  <  ج: ص:  >  >>