للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمام هذه الأوضاع كلها، ونظراً لكون المجلس الوطني للثورة الجزائرية لم يجتمع في دورته العادية فإنه إستدعى لذلك، وأنطلقت إشغاله بطرابلس في اليوم الخامس من شهر أوت سنة واحدة وستين وتسعمائة وألف.

تواصلت أشغال المجلس مدة بين أعضاء قيادة الأركان وأعضاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وخاصة منهم السيدين فرحات عباس وكريم بلقاسم، فبالنسبة للأول، يرى قادة الجيش أنه غير متشبع بإيديولوجية الثورة وأنه معتدل أكثر مما ينبغي وغير قادر على مواجهة الحكومة الفرنسية، ويرون بالنسبة للثاني أنه لم يحسن الدفاع عن الملف الجزائري في مختلف اللقاءات مع الجانب الفرنسي، وأنه قدم كثيراً من التنازلات بدون فائدة تذكر. ورداً على هذه الإتهامات التي لا تستند على دليل مادي، وزعت على المشاركين في الدورة محاضر جلسات التفاوض، وعمل رئيس الحكومة ونائبه على التشهير بقيادة الأركان التي "اتصلت بكل الأموال التي طلبتها وجلبنا لها كميات هائلة من الأسلحة المتطورة والذخيرة. وبدلاً من إمداد الداخل بما يحتاج إليه راحت تشغل نفسها بأمور سياسية لاناقة لها فيها ولا جمل (١).

ويبدو للوهلة الأولى أن المجلس الوطني للثورة الجزائرية إنتصر لقيادة الأركان إذ صادق بالإجماع على إستبدال السيد ابن يوسف بن خدة الذي كان واحداً من القادة الأساسيين للحركة الثورية وواحداً من المساعدين الرئيسيين للشهيد العربي بن المهدي أثناء توليه إعادة تنظيم المنطقة الرابعة (٢) والإعداد لمؤتمر وادي الصومام. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس ابن خدة الذي عين عضواً بأول لجنة التنسيق والتنفيذ قد ظل وفياً للخط الإيديولوجي ولم يفتأ ينادي بضرورة عودة القيادة العليا للثورة إلى أرض الوطن، عملاً بأولوية الداخل على الخارج. لكن السيد فرحات عباس لم ينظر إلى عملية إستبداله بهذا المنظار، بل رأى في الأمر إنحرافاً خطيراً لجبهة التحرير الوطني التي بعد هذا التعديل الجديد، قد أصبحت حكراً على عناصر حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية يقول: "يظهر جلياً، بعد التحليل أن الحكومة المؤقتة الجديدة لم تعد تمثل جبهة التحرير الوطني في مجموعها، بل حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية وحدها، فالمؤامرات التي حيكت في تونس قد أدت إلى إبعاد ممثلي الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. ومع إقتراب


(١) فرحات عباس، تشريح الحرب، ص: ٣١٧.
(٢) كان ذلك بعد إعتقال قائدها السيد رابح بيطاط.

<<  <  ج: ص:  >  >>