للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن جبهة التحرير الوطني، في ميثاق وادي الصومام، هي الهيئة الوحيدة التي تمثل الشعب الجزائري والمؤهلة للتفاوض باسمه ولإقرار وقف القتال (١)، ولذلك فهي تنظيم ثوري وحركة جهادية مفتوحة لجميع الجزائريين الذين يتبنون برنامجها ويبدون، عملياً، استعدادهم للتضحية القصوى من أجل تجسيده على أرض الواقع.

ولقد كان برنامج جبهة التحرير الوطني، في بداية الأمر، بسيطاً وواضحاً إذ يتمثل في ممارسة الكفاح المسلح والعمل السياسي، بهدف استرجاع السيادة الوطنية وإقامة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية. وهذه البساطة وهذا الوضوح جعلا أغلبية الشعب الجزائري تتعاطف مع الثورة وتزودها بما تحتاج إليه من إمكانيات بشرية ومادية.

وبعد حوالي عام من انطلاق الرصاصة أعلنت أهم التشكيلات السياسية الوطنية عن حل نفسها وأمرت مريديها ومناضليها بالانضمام فرادى إلى صفوف جبهة التحرير الوطني التي تحولت، نتيجة لذلك، إلى حركة جماهيرية ترفع لواء الجهاد في سبيل الله وفي سبيل الوطن.

لكن السنوات الأخيرة من الكفاح المسلح عرفت تطوراً غير معهود ولا منتظر خارج حدود الجزائر، إذ تجمع عدد من المثقفين المعروفين بنزعتهم اليسارية في إطار أسرة تحرير اللسان المركزي لجبهة التحرير الوطني وراحوا يفلسفون الثورة انطلاقاً من مشاربهم الماركسية والغربية غير آبهين بواقع الشعب العربي المسلم الذي يخوض المعركة الحقيقية في داخل الوطن. وبينما كان جيش التحرير الوطني في مختلف الولايات يمارس الجهاد ويطبق الشريعة الإسلامية حسب المستطاع، كان أولئك المثقفون يكتبون على الورق أن الثورة الجزائرية لا يمكن إلا

أن تكون اشتراكية، وأنها ديمقراطية شعبية، وأن جبهة التحرير الوطني منظمة لائكية إلى غير ذلك من الانحرافات التي ستكون بعد سنة اثنتين وستين وتسعمائة وألف، سبباً رئيسياً في تشتيت الصف وحرمان الثورة من العديد من طاقتها الحية.

وأثناء صياغة برنامج طرابلس اختلف أولئك المثقفون فيما بينهم حول مستقبل جبهة التحرير الوطني كتنظيم. فهناك من نادى بها منظمة جاهرية


(١) النصوص الأساسية لجبهة التحرير الوطني، ص ك ٢٢ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>