للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جيداً أن إقامة الدولة لن يكون متأنياً إلا بوجود حزب قوي بمناضليه المهيكلين والمتواجدين على رأس جميع المناصب الحساسة، وإيمانه بهذه الضرورة هو الذي جعله يقول ذات يوم لوزير الدفاع العقيد هواري بومدين: إنك لن تكون كل شيء بفضل الحزب، ولن تكون شيئاً بدونه (١).

لكن هذه الأداة التي يتوقف عليها مصير الحكم لايجب أن تكون بأيادي أخرى وعليه، فإن الرئيس بن بلة لم يتردد في صنع الظروف التي أدت، بالتدريج، إلى استقالة رئيس جبهة التحرير الوطني وأمينها العام وفي نفس الوقت أسندت مسؤولية المنظمات الوطنية إلى السيد الحاج بن عله الذي تم تعيينه وزيراً للدولة حتى يسهل ابتلاعه.

إن الرغبة في جمع كل السلطات قد حجبت عن الرئيس أحمد بن بلة مخاطر ماكان يقوم به. لقد أدت قراراته الارتجالية إلى إبقاء المكتب السياسي محصوراً في شخصيتين اثنتين (٢) لم يسبق لهما أن مارسا مسؤوليات سياسية ودفعت برفاق النضال والمعتقل إلى المعارضة التي سوف تتخذ أشكالاً متعددة، كما أنها همشت نظام الولايات الذي برهن على فعاليته أثناء المعركة (٣) وجعلت من الإدارة منافساً قوياً رغم أن معظم إطاراتها كانوا من نتاج الترقيات الاستعمارية المختلفة وبالتالي فهم أقرب إلى مصالح الاستعمار منهم إلى المصلحة الوطنية.

ففي مثل هذا الجو المكهرب شرع في تجنيد القواعد النضالية لمناقشة مشروع الدستور الذي أعدته الحكومة والذي يعطي لرئيس الجمهورية جميع السلطات بما في ذلك القيادة العليا للجيش. وكانت أربعة أيام كافية للاثراء ولإجراء جميع التعديلات ثم صادقت الإطارات السياسية على المشروع وقدم للتزكية إلى المجلس الوطني مما أثار سخط مجموعة من النواب وقاد إلى استقالة الرئيس فرحات عباس في مستهل شهر أوت (٤).

وبعد أسبوع من الاستفتاء الذي جرى في اليوم الثامن من شهر سبتمبر، استدعى المواطنون من جديد لانتخاب المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية.

هكذا، إذن، استطاع السيد أحمد بن بلة، في ظرف عام واحد، أن يقضي


(١) فرانكوس (أنيا) وسيريني (جب) جزائري يسمى بومدين، باريس ١٩٧٦، ص١٥٤.
(٢).هما العقيد محمدي العيد والسيد الحاج بن علة.
(٣) انظر الباب الثاني وخاصة منه الفصل الثاني
(٤) الاستقلال المصارد ص٦٢ لقد نشر السيد فرحات عباس ابتداء من هذه الصفحة نص الرسالة التي ضمنها أسباب استقالته من رئاسة المجلس الوطني التأسيسي، وهي مؤرخة بيوم ١٢ آوت ١٩٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>