للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على كل خصومه وأن ينفرد للحكم، لكنه في نفس الوقت أحدث حوله فراغاً سياسياً وأيديولوجياً مهولاً وشتت الطاقات الحية في البلاد وأرغمها على اللجوء إلى تشكيل معارضات سياسية وأخرى مسلحة، وبذلك يكون قد تسبب من حيث لايدري في إيقاف قطار الثورة وأرسى قواعد الفوضى والاضطراب في الجزائر وفتح فيها الأبواب للانقلابات تتواصل متشابهة إلى أن وقع إجهاض الثورة في اليوم الخامس من شهر أكتوبر سنة ثمان وثمانين وتسعمائة وألف.

وكان الحزب الشيوعي الجزائري هو المستفيد الوحيد من كل هذه الأوضاع إذ تمكن، رغم عدم الانصهار في الثورة طيلة فترة الكفاح المسلح ورغم معارضته الشديدة لمنطلقاتها الأيديولوجية، أن يظل محتفظاً بوجوده طبقاً لتوجيهات لينين (١). وأن يعود للنشاط العلني كقوة دافعة تقف إلى جانب الرئيس أحمد بن بلة. وحتى عندما منع في اليوم التاسع والعشرين من شهر نوفمبر سنة ثلاث وستين وتسعمائة وألف عن الظهور ولم تتعرض إطاراته لأية ملاحقة أو مكروه، وهو الأمر الذي جعل أمينه العام السيد العربي بوهالي يصرح بأنه لايوجد أي نص رسمي فيما يتعلق بحله أو بمنعه من مواصلة تحركاته السياسية.

لقد كان الحزب الشيوعي الجزائري يدفع إلى التعفن في الجزائر كما صرح بذلك السيد آيت أحمد عندما لاحظ في شهر أكتوبر (٢) أن مواقفه من المعارضة مزدوجة وغير واضحة، وبالفعل، فإنه كان يعلن عن مساندته لجبهة التحرير الوطني وفي نفس الوقت يَعِدْ، سراً، بالوقوف إلى جانب القوات المعارضة لها والعاملة على تغيير نظام الحكم.

وكانت أهم القوات المعارضة وأخطرها متجمعة حول اثنين ويدعو إلى إقامة نظام ديمقراطي وثوري في الجزائر، وكلاهما، أيضاً، عين لعضوية المكتب السياسي.

أما الرفيق الأول فهو السيد محمد بوضياف الذي كان من المفروض أن يشرف على العلاقات الخارجية ضمن تشكيلة المكتب السياسي لكنه لم يلبث أن قدم استقالته وأعلن غداة انتخاب المجلس التأسيسي عن ميلاد حزب الثورة الاشتراكية معللاً إقدامه على ذلك بانتشار الفوضى وانعدام الأمن وإفلاس جبهة التحرير الوطني التي لايمكن أن تكون حزباً ثورياً بسبب تركيبتها البشرية


(١) بوي (فرانسوا) الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، باريس ١٩٦٥، ص٤٧.
(٢) نفس المصدر، ص٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>