هزيمة بالنسبة لجبهة التحرير الوطني وللجزائر بصفة عامة، وتتمثل هذه الهزيمة، بالإضافة إلى ماذكرنا أعلاه، في تمكين الإطارات المتشبعة بالفكر الماركسي والبعيدة كل البعد عن واقع الشعب، من اختراق الصفوف والارتقاء إلى مناصب الحل والربط في سائر قطاعات الدولة الجزائرية الفتية، ومع تمكن تلك الإطارات ظهرت قوات سياسية جديدة لاعلاقة لها بأيديولوجية الثورة وهي نفس القوات التي سوف تستولي بالتدريج على زمام السلطة في البلاد.
وهناك وجه آخر للهزيمة التي منيت بها جبهة التحرير الوطني ويتمثل في فتح الأبواب واسعة للانقلابات العسكرية التي سوف تتواصل في جزائر ما بعد إجهاض الثورة. وفي الحقيقة، فإن الإطاحة بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية لايوجد له اسم آخر غير الانقلاب العسكري، لأن القيادة العليا الشرعية التي هي المجلس الوطني للثورة الجزائرية لم يسمح لها بالاجتماع للنظر في شأنها قانونياً.
هكذا، إذن، فإن الحكومة المنبثقة عن المجلس الوطني التأسيسي المنتخب في اليوم العشرين من شهر سبتمبر سنة اثنين وستين وتسعمائة وألف، لايمكن أن نقول عنها أنها حكومة جبهة التحرير الوطني ولايمكن أن تحظى بتأييد المناضلين الحقيقيين الذين يرفضون الصراعات والانقسامات من أجل السلطة. ولأنها لم تكن حكومة جبهة التحرير الوطني، فإنها وضعت برنامج طرابلس على الرفوف وأدارت الظهر لنصوص الثورة الأساسية ثم راحت ترتجل البرامج المتناقضة وتقضي جل الوقت في سد الثغرات ومغازلة المشاكل العويصة التي تكمن حلولها في وحدة الصف وفي الالتزام بأيديولوجية أثبتت، على الميدان، نجاعتها وجدواها.
ومن سوء حظ الجزائر أن هذه الحكومة هي التي استطاعت أن تستولي على السلطة بعد أن ألغت كل من حاول معارضة سياستها. ولم يكن الإلغاء مقصوراً على الشخصيات والتشكيلات السياسية، بل تعداها إلى المنظمات الوطنية التي صيغت، بمختلف الوسائل، من جميع العناصر التي أبدت بطريقة أو بأخرى، مناهضتها لسلوكيات ابن بلة وتصرفاته.
ومن جديد، أقيمت المحتشدات في الجنوب الجزائري لاستقبال المخلصين من أبناء الشعب، وفتحت السجون أبوابها لإيواء المئات من المناضلات والمناضلين، وعادت عمليات القمع والتعذيب ضد الوطنيين بواسطة نفس الجلادين الذين كانوا يعملون في إطار الأجهزة الاستعمارية. ولم يكن ذلك