غريباً، لأن الحكومة الجزائرية أسندت مهمة تكوين ضباط شرطتها لقيادة الشرطة الفرنسية كما أنها في اليوم السادس والعشرين من شهر سبتمبر، أي مباشرة بعد تشكيلها، طلبت من الجنرال الفرنسي قائد الجندرمة أن يسرح جميع الضباط وصف الضباط الجزائريين ليشكلوا النواة الأولى لسلك الدرك الوطني في الجزائر، ثم التمست منه اتخاذ الإجراءات اللازمة لتكوين أعداد كبيرة من الدرك الجزائريين.
وإذا أضفنا إلى تنظيم الشرطة وتكوين ضباطها وإنشاء سلك الدرك الوطني من أوله إلى آخره، واستقدام مجموعة من الضباط السامين في الجيش الفرنسي لاستكمال تكوين ضباط الجيش الوطني الشعبي ومباركة الرئيس أحمد بن بلة لكل ذلك، أصبح جلياً أن الجزائر قد تخلت نهائياً عن خطها الثوري الذي يدعو إلى ضرورة قطع جميع العلاقات مع المستعمر السابق (١)، وصارت تطبق سياسة الاستعمار الجديد التي ترمي إلى إسناد المناصب الأساسية في الدولة إلى إطارات كونتهم المدرسة الاستعمارية من أجل الحفاظ على مصلحة فرنسا.
ففي هذه الأجواء المشحونة بالضغائن والأحقاد والمليئة بالتناقضات ومختلف أنواع اللامعقول، والمتميزة بالفوضى وانعدام الأمن والاستقرار، أعطت الإشارة الخضراء لتكوين اللجنة الوطنية لتحضير المؤتمر الأول لجهة التحرير الوطني، وأطلقت نفس الأيادي الماركسية تعبث من جديد بالنصوص الأساسية للثورة.
ومرة أخرى تكونت لجنة صياغة مشروع المجتمع تحت إشراف أهم العناصر الماركسية التي كانت هي أساس الانحرافات الأيديولوجية الأولى. ورغم مقاومة العناصر الوطنية، صادق المؤتمر الذي أنهى أشغاله في اليوم الواحد والعشرين من شهر أبريل سنة أَربع وستين وتسعمائة وألف على ميثاق الجزائر الذي اعتبر تعميقاً لبرنامج طرابلس ومرجعاً أيديولوجياً وحيداً للثورة الجزائرية.
إن المؤتمرين الذين دامت أشغالهم ستة أيام قد حللوا أوضاع البلاد التاريخية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ثم صادقوا على عدد من المقررات: تحويل جبهة التحرير الوطني إلى حزب طلائعي في الحكم يسير وفقاً لمبدأ
(١) ليس هذا رأي الدكتور بوريلا أستاذ القانون بكلية حقوق الجزائر الذي شارك يوم ٢٤/ ٠١/١٩٦٣ في ملتقى تصنيع شمال أفريقيا وأكد على ضرورة تعامل البلد المستقل حديثاً مع البلد المستعمر سابقاً لأنه الوحيد الذي يفهمه جيداً انظر: الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، ص٧٩.