للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى أوزارها أو كتنظيم بعد أن تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في اليوم الخامس من شهر ماي سنة واحد وثلاثين وتسعمائة وألف. ولم يكن ذلك بالأمر الخفي على الذين صاغوا الميثاق، لكنهم كتبوا بعواطفهم فضيعوا على البلاد فرصة ثمينة كان يمكن أن تكون منطلقاً لتحقيق مصالحة وطنية جديدة تعيد الثقة إلى شريحة واسعة من المجتمع الجزائري في تلك الظروف التي كان أحوج ما يكون فيها إلى وحدة وتجاوز الحزازات السياسية.

فالاعتراف بدور العلماء في تخليص الإسلام من الشوائب التي علقت به وفي تحرير الإنسان الجزائري من المعتقدات الفاسدة كان من شأنه أن يقود إلى تقييم الإصلاح الديني في الجزائر وهو إصلاح يختلف كلية عن الإصلاح الديني في المشرق العربي وفي العالم الإسلامي عامة، وبعد التقييم الموضوعي، كان لإيديولوجية جبهة التحرير الوطني أن تخصص مكانة مرموقة للجانب الروحي الذي يستحيل بدونه التوصل إلى تعبئة جماهير الشعب الجزائري. لكن ميثاق الجزائر تعمد عدم الاعتراف بأهمية ذلك الدور، وراح ينسبه، تعسفاً، لغير أصحابه حتى يهمش الإسلام ويمنع الفكر الإسلامي من الانتشار في جميع الأوساط المؤثرة في عمليات البناء والتشييد، وبذلك تعطى الغلبة للنظام الاشتراكي في بناء الدولة (١).

ولقد أخطأ ميثاق الجزائر في تقديره، لأن تحييد العلماء وتهميش دورهم في إطار منظم، قد جعلهم يجنحون، شيئاً فشيئاً، إلى العمل السري دفاعاً عن العقيدة وحماية لها من الاعتداءات التي تريد محاصرتها في المسجد وإبقائها مقصورة على العلاقة بين الإنسان وربه كما هو الأمر بالنسبة للديانات الأخرى، ووفاء لأرواح الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل إقامة الدولة الديمقراطية الاجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية (٢).

والمغالطة التاريخية الثانية تتمثل بأن الكفاح من أجل انتصار المبادئ الديمقراطية قد تغلغل في أوساط الجماهير الشعبية وحفز عملها وحدد سلوكها وآفاقها (٣). وفي الحقيقة، فإن اندلاع الثورة من نوفمبر إنما كان من أجل


(١) عباس (فرحات) الاستقلال المصادر، ص١٢٤، يقول السيد عباس: إنني، فيما يخصني، آمل أن تتخلى الجزائر عن النهج الاشتراكي حتى تتمكن من أن تستعيد شخصيتها وتبني من جديد وحدتها الروحية والاقتصادية والاجتماعية. وسوف يكون ذلك أفضل الحلول لأنه يتلاءم مع مفهومها للمغرب الواحد كما وضعت معالمه ندوتا طنجة وتونس سنة ١٩٥٨.
(٢) انظر الملحق رقم ٨.
(٣) جبهة التحرير الوطني، اللجنة المركزية للتوجيه، ميثاق الجزائر، ص٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>