التحرير الوطني الذي يشمل تحرير الإنسان وهو أكثر قيمة من انتصار المبادئ الديمقراطية التي أراد ميثاق الجزائر أن يجعلها منطلقاً أساسياً لبناء الدولة الاشتراكية.
إن جبهة التحرير الوطني لم تقرر الكفاح من أجل انتصار المبادئ الديمقراطية ولكنها أعلنت عن ميلاد حركة جهادية دعت إليها جماهير الشعب من أجل استرجاع السيادة الوطنية المغتصبة، وعلى هذا الأساس يجب على الدارس أن يتوقف عند الملاحظات التالية:
١ - إن جماهير الشعب التي وجه إليها النداء لم تتجاوب معه في اللحظات الأولى، بل كان لابد من مرور وقت يتفاوت من حيث الطول بين منطقة وأخرى وحسب وعي الفئات الاجتماعية المختلفة (١). وهناك شرائح واسعة من الشعب الجزائري قد ظلت موالية للنظام الاستعماري وتتعامل معه بكل ثقة إلى أن تأكد من عجزه عن حمايتها ولاحظت أنه اعترف لجبهة
التحرير الوطني بحق تقرير المصير على أساس الاستقلال الوطني. إن هذه الشرائح الواسعة جزء من الجماهير الشعبية ولايمكن أن نقول أن المبادئ الديمقراطية قد تغلغلت إلى أوساطها أثناء فترة الكفاح المسلح وإلا أصبح الاستعمار هو داعية الحرية والديمقراطية.
٢ - إن الكفاح من أجل انتصار المبادئ الديمقراطية لايكون إلا بعد استرجاع الاستقلال الوطني ولذلك فإن جبهة التحرير الوطني لم تجعله من أهدافها الرئيسية أثناء فترة الكفاح المسلح خاصة وأن متطلبات الحرب كثيراً ماتتناقض مع الممارسة الديمقراطية.
٣ - لقد كانت السيادة الوطنية المغتصبة مبنية على مجموعة من الثوابت أهمها الإسلام ولغة القرآن.
وأن الكفاح من أجل استرجاعها يعني بالدرجة الأولى السعي بجميع الوسائل لإعادة تأهيل تلك الثوابت التي عملت السلطات الاستعمارية على تشويهها أو إلغائها تماماً كما كان الأمر للغة العربية، وبدلاً من أن يهتم ميثاق الجزائر بدين الجزائريين ولغتهم باعتبارهما أفضل وسيلة لتكوين الإنسان، فإنه انطلق من النظرة الماركسية للديانات السماوية وراح يخطط لتهميش الإسلام، ولعزل اللغة العربية عن ميادين الإدارة والعلم والتكنولوجيا.
(١) عباس (فرحات) الاستقلال المصادر، ص٣١، وما بعدها.