للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - إن ميثاق الجزائر لم يزد عن تقليد الحلول النظرية التي أوجدتها الثورة الروسية لمشاكل المجتمع السوفياتي. ولو أن المشرفين على الصياغة لم يكونوا متشبعين بالفكر الماركسي دون غيره، لانطلقوا، في تحليلاتهم، من الفكر السياسي الإسلامي ومن الواقع الجديد الذي أحدثته الثورة في الجزائر ثم أوجدوا نظاماً للحكم مستقلاً ومتطابقاً مع المنطلقات الأيديولوجية لجبهة التحرير الوطني.

أما المغالطة التاريخية الثالثة فتتعلق بمجموعة من التفسيرات للمراحل التي قطعتها ثورة نوفمبر منذ اندلاعها. وهذه التفسيرات تبدأ من برنامج طرابلس الذي أشار إلى أن وعي الجماهير قد جعل الثورة تتحول من ديمقراطية اجتماعية إلى ديمقراطية شعبية وأن هذه الأخيرة عبارة عن تشييد واع للبلاد في إطار المبادئ الاشتراكية (١).

إن برنامج طرابلس، إذن جعل المبادئ الاشتراكية تحل محل المبادئ الإسلامية، ولقد فعل ذلك خلسة ولم يطلب رأي الجماهير الشعبية التي ما كانت لتوافق لو استشيرت. ثم جاء ميثاق الجزائر ليؤكد أن "الكفاح من أجل تدعيم الاستقلال والكفاح من أجل انتصار الخيار الاشتراكي لا انفصام بينهما، والفصل بينهما يعد تذويباً للدور القيادي لجماهير العمال والفلاحين (٢).

فبهذه الكيفية تجاهل ميثاق الجزائر المكانة التي مافتئ الإسلام يحتلها في مسيرة الجزائر التاريخية، وكذلك الدور الحاسم الذي أداه في تشكيل الشخصية الوطنية أولاً، وصيانتها ضد محاولات المسخ والتشويه ثانياً، وتمكينها في نهاية المطاف من أن تتحرك من جديد لتقويض الأركان الاستعمارية وتؤكد الهوية الوطنية وتطلق العنان لثورة أصيلة إسلامية الروح عربية اللسان وإنسانية المسعى.

إن الربط بين الكفاح من أجل تدعيم الاستقلال والكفاح من أجل انتصار التيار الاشتراكي عمل نظري ينطلق من دوغمائية عميقة ولا يأخذ في الاعتبار بعدين أساسيين لابد منهما لكل حركة تريد أن تصل إلى مداها دون انحراف ولاجمود، وهما بعد الاستمرارية وبعد التجديد والإبداع.

وإذا كانت الاستمرارية تعني المحافظة على خيوط التواصل التي ظلت تنظم مسيرة الشعب الجزائري، فإن التجديد والإبداع يعطيان للمسؤول والمناضل قدرة التحلي بالمرونة اللازمة لتكييف عملية الانتقال من المجال النظري إلى


(١) النصوص الأساسية لجبهة التحرير الوطني ١٩٥٤ - ١٩٦٢، ص٧١.
(٢) ميثاق الجزائر، ص٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>