للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجامعي، فإنهم قد ضموا استمرارية فكرهم بواسطة الأقلام الوطنية.

ولقد شاهدنا، في الربع الأخير من هذا القرن، تقاسم الأدوار بين العسكريين والسياسيين الفرنسيين، الذين جردوا أقلامهم لتقديم تاريخ فترة الكفاح المسلح في شكل مذكرات وشهادات حية تحاول تجريد الحركة الجهادية في الجزائر من كل مقوماتها، وبين المؤرخين الذين أصبحوا يوظفون تلامذتهم الجزائريين لتقرير آرائهم التي لاتختلف في جوهرها عن آراء العسكريين والسياسيين المذكورين آنفاً.

هكذا وقع غزو المكتبات الجزائرية بمطبوعات تتفق في معظمها على أن ماوقع في الجزائر ابتداء من ليلة الفاتح من نوفمبر سنة أربع وخمسين وتسعمائة وألف لم يكن ثورة بل مجرد حرب تحريرية استهدفت الحصول على الاستقلال الوطني (١). وإذا كان هذا التعبير يبدو بريئاً، في ظاهره، فإنه، في الواقع، يتجاوب مع أهداف المدرسة الاستعمارية التي ترمي إلى إجهاض الثورة التحريرية من جهة وإلى تبرير الغزو الاستعماري من جهة ثانية. وبالفعل. ورغم مقاومة بعض الأقلام الوطنية، فإن التعبير المذكور قد أصبح هو السائد سواء في معظم الأبحاث العلمية أو حتى في أغلبية الوثائق الرسمية، وأكثر من ذلك، فإن استرجاع الاستقلال الوطني، وهو التعبير الصحيح (٢)، لم يتحقق، في منظور تلك الكتابات، بفضل ماقدمه الشعب الجزائي من تضحيات جسام في إطار حركة جهادية شاملة قادتها جبهة التحرير الوطني، لكنه جاء نتيجة حتمية تاريخية وبفضل تفهم الجنرال ديغول، ومن ناحية أخرى، فإن "العروبة والإسلام لا دخل لهما في تحرير الجزائر"، ومن هذا المنطلق فإن الدولة الجزائرية التي تقام بعد "الحصول" على الاستقلال يجب أن تكون لائكية ومتوجهة نحو الغرب المسيحي عبر حضارة البحر الأبيض المتوسط.

فلدحض كل هذه المزاعم الزائفة، شرعنا في إنجاز هذه الدراسة التي قادتنا بالتدريج إلى تسليط الأضواء على العديد من المواضع الغامضة وإلى الخروج للقراء بمجموعة من الاستنتاجات التي لاتثبت وجود مشروع مجتمع خاص


(١) TRIPPER (PHILIPPE) AUTOPSIEDE LA GUERRE D'ALGERIE. P.٥٤ et suivantes.
(٢) إن استعمال: الحصول على الاستقلال يثبت الموقف الاستعماري القائل: إن فرنسا في الجزائر لم تعتد على دولة قائمة بذاتها ولكنها جاءت لإنقاذ مجموعة من القبائل كانت تعاني من سيطرة الاحتلال التركي. والاستعمار الفرنسي هو الذي ساعد على تكوين الأمة الجزائرية من مجموعة من العناصر أهمها: العرب والبربر والأوربيون واليهود.

<<  <  ج: ص:  >  >>