الوطني، ولكي لا يتكرر مثل ذلك اليوم في حياة البلاد التي يريدونها، فقط، حقلاً واسعاً وهادئاً للاستغلال بسائر أنواعه.
وأما بالنسبة للإدارة الاستعمارية ذاتها، فإن أول مايو ١٩٤٥ كان دليلاً قاطعاً على أن أعداداً كبيرة ممن كانوا يسمون بالمعتدلين والموالين لفرنسا قد
قطعوا الحبال التي كانت تشدهم إلى "الميتروبول" والتحقوا رغم كل شيء بصفوف الوطنيين العاملين على استرجاع السيادة الوطنية بجميع الوسائل ومهما كان الثمن. معنى ذلك، أن الحلول الاستعمارية الجاهزة مثل الاندماج والالحاق والمساواة كلها أصبحت معرضة للاختفاء والزوال. لأجل ذلك، فإن المشرفين على تلك الإدارة قد أرهفوا السمع لأصوات الكولون والشيوعيين المطالبة بإحكام التصدي للحركة الوطنية الجزائرية باعتبارها وكراً لمناهضي الديمقراطية وكابحاً قوياً يمنع قطار الحرية والسلام من التقدم.
من هذا المنطلق، وعلى هذا الأساس، ألقي القبض على مجموعة كبيرة من الإطارات القيادية في حزب الشعب الجزائري المحظور (٧١)، بينما لجأت مجموعة أخرى منهم إلى الحياة السرية في المدن والقرى الجزائرية أو إلى الجبال تحتمي بقممها ووديانها وشعابها.
واغتنم الحزب الشيوعي الجزائري هذه الفرصة فوزع منشوراً (٧٢)، يتهم فيه الحركة المصالية بأنها "لوثت انتصارات الطبقة الشغيلة بدماء الأبرياء "في حين كان يجب أن تتحد جهود المحرومين من أجل تحقيق انتصارات جديدة. وفي اليوم الموالي جاء جواب حزب الشعب الجزائري بواسطة منشور يحمل تاريخ ٤/ ٥/١٩٤٥ وهو موجه إلى جميع الفرنسيين وخاصة منهم إلى العمال المنخرطين في صفوف الكنفدرالية العامة للشغيلين وإلى الحزبين الاشتراكي والشيوعي الفرنسيين وكذلك إلى منظمة فرنسا المكافحة. ومما جاء في ذلك المنشور:"أن الهتليريين الحقيقيين إنما هم أولئك الذين سلحوا الشرطة لتقتل إخوان وآباء وأقارب الأجناد الذين ساهموا لتحرير فرنسا وحاربوا في ألمانيا جحافل الفاشية والنازية"(٧٣).
واجتمع المكتب المركزي لحركة أحباب البيان والحرية برئاسة السيد فرحات عباس في نفس اليوم الذي وزع فيه منشور حزب الشعب الجزائري، وصادق بالإجماع على نشرة موجهة إلى جميع الفرنسيين (٧٤) فيها تنديد بالقمع الذي تعرض له المشاركون في مظاهرات فاتح مايو ١٩٤٥، واحتجاج على حملات الاعتقال الموجهة ضد الوطنيين الجزائريين ومطالبة بإطلاق سراح