للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

د - أَوِ الْمُرَادُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فحذفت (مِنْ) وَهِي مُرَادة.

(إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي) [البخاري].

وفِي رِوَايَةِ (فَلَا تَحِلَّ) وَهُوَ أَلْيَقُ بِقَصْدِ الْأَمْرِ، وجاء في الحديث: (وَأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي) قَالَ ابن بَطَّالٍ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي) الْإِخْبَارُ عَنِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ، لَا الْإِخْبَارُ بِمَا سَيَقَعُ، وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهُ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: (فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي) فَإِنَّهُ خَبَرٌ مَحْضٌ.

أَوْ مَعْنَى قَوْلِهِ (وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي) أَيْ: لَا يُحِلُّهَا اللَّهُ بَعْدِي، لِأَنَّ النَّسْخَ يَنْقَطِعُ بَعْدَهُ لِكَوْنِهِ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ.

(إن الله لا يمل حتى تملوا) [البخاري].

الْمَلَالُ: اسْتِثْقَالُ الشَّيْءِ وَنُفُورُ النَّفْسِ عَنْهُ بَعْدَ مَحَبَّتِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِاتِّفَاقٍ، وتوجيه الحديث:

أ - قَالَ الْإِسْمَاعِيلِي: إِنَّمَا أُطْلِقَ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ اللَّفْظِيَّةِ مَجَازًا، وهو أَلْيَقُ وَأَجْرَى عَلَى الْقَوَاعِدِ.

ب - وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: مَعْنَاهُ لَا يَقْطَعُ عَنْكُمْ فَضْلَهُ حَتَّى تَمَلُّوا سُؤَالَهُ، فَتَزْهَدُوا فِي الرَّغْبَةِ إِلَيْهِ.

ج - وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ لَا يَتَنَاهَى حَقُّهُ عَلَيْكُمْ فِي الطَّاعَةِ حَتَّى يَتَنَاهَى جُهْدُكُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ (حَتَّى) عَلَى بَابِهَا فِي انْتِهَاءِ الْغَايَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَفْهُومِ.

د - قِيلَ مَعْنَاهُ: لَا يَمَلُّ اللَّهُ إِذَا مَلَلْتُمْ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَقُولُونَ: (لَا أَفْعَلُ كَذَا حَتَّى يَشِيبَ الْغُرَابُ) وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: (لاينقطع حَتَّى يَنْقَطِعَ خُصُومُهُ) لِأَنَّهُ لَوِ انْقَطَعَ حِينَ يَنْقَطِعُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِمْ مَزِيَّةٌ.

هـ - وَقَالَ الْمَازِرِيُّ قِيلَ إِنَّ (حَتَّى) هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَا يَمَلُّ وَتَمَلُّونَ، فَنَفَى عَنْهُ الْمَلَلَ وَأَثْبَتَهُ لَهُمْ.

و - وَقِيلَ (حَتَّى) بِمَعْنَى (حِينَ).

قَالَ ابن الْجَوْزِيِّ: إِنَّمَا أَحَبَّ الدَّائِمَ لِمَعْنَيَيْنِ:

أ - أَنَّ التَّارِكَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ كَالْمُعْرِضِ بَعْدَ الْوَصْلِ، فَهُوَ مُتَعَرِّضٌ لِلذَّمِّ، وَلِهَذَا وَرَدَ الْوَعِيدُ فِي حَقِّ مَنْ حَفِظَ آيَةً ثُمَّ نَسِيَهَا، وَإن كَانَ قبل حفظهَا لايتعين عَلَيْهِ.

<<  <   >  >>