للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنها فَقَطْ، كَمَا أَنَّ صَوَاحِبَ صِيغَةُ جَمْعٍ وَالْمُرَادُ زُلَيْخَا فَقَطْ، وَوَجْهُ الْمُشَابهَةِ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ: أَنَّ زُلَيْخَا اسْتَدْعَتِ النِّسْوَةَ وَأَظْهَرَتْ لَهُنَّ الْإِكْرَامَ بِالضِّيَافَةِ، وَمُرَادُهَا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَنْظُرْنَ إِلَى حُسْنِ يُوسُفَ،، وَيَعْذُرْنَهَا فِي مَحَبَّتِهِ وَأَنَّ عَائِشَةَ أَظْهَرَتْ أَنَّ سَبَبَ إِرَادَتِهَا صَرْفَ الْإِمَامَةِ عَنْ أَبِيهَا كَوْنُهُ لَا يُسْمِعُ الْمَأْمُومِينَ الْقِرَاءَةَ لِبُكَائِهِ، وَمُرَادُهَا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ لَا يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَتْ هِيَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَتْ: لَقَدْ رَاجَعْتُهُ وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا.

وَوَقع فِي مُرْسل الْحسن عِنْد بن أَبِي خَيْثَمَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُكَلِّمَ النَّبِيَّ أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ عَنْهُ، فَأَرَادَتِ التَّوَصُّلَ إِلَى ذَلِكَ بِكُلِّ طَرِيقٍ فَلَمْ يَتِمَّ.

(أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) [البخاري].

قالَ الْبَيْضَاوِيُّ: الْمُرَادُ بِالْحُبِّ هُنَا: الْحُبُّ الْعَقْلِيُّ، الَّذِي هُوَ إِيثَارُ مَا يَقْتَضِي الْعَقْلُ السَّلِيمُ رُجْحَانَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ هَوَى النَّفْسِ، كَالْمَرِيضِ يَعَافُ الدَّوَاءَ بِطَبْعِهِ فَيَنْفِرُ عَنْهُ وَيَمِيلُ إِلَيْهِ بِمُقْتَضَى عَقْلِهِ فَيَهْوَى تَنَاوُلَهُ، فَإِذَا تَأَمَّلَ الْمَرْءُ أَنَّ الشَّارِعَ لَا يَأْمُرُ وَلَا يَنْهَى إِلَّا بِمَا فِيهِ صَلَاحٌ عَاجِلٌ أَوْ خَلَاصٌ آجِلٌ، وَالْعَقْلُ يَقْتَضِي رُجْحَانَ جَانِبَ ذَلِكَ تَمَرَّنَ عَلَى الِائْتِمَارِ بِأَمْرِهِ، بِحَيْثُ يَصِيرُ هَوَاهُ تَبَعًا لَهُ.

فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بهَذِهِ التَّثْنِيَةِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ لِلَّذِي خَطَبَ فَقَالَ: (وَمَنْ يَعْصِهِمَا): (بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ) فَلَيْسَ مِنْ هَذَا:

أ - لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْخُطَبِ الْإِيضَاحُ، وَأَمَّا هُنَا فَالْمُرَادُ الْإِيجَازُ فِي اللَّفْظِ لِيُحْفَظَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ حَيْثُ قَالَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ: (وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَلَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ).

ب - أَنَّهُ مِنَ الْخَصَائِصِ، فَيَمْتَنِعُ مِنْ غَيْرِ النَّبِيِّ ، وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ، لِأَنَّ غَيْرَهُ إِذَا جَمَعَ أَوْهَمَ إِطْلَاقُهُ التَّسْوِيَةَ، بِخِلَافِهِ هُوَ فَإِنَّ مَنْصِبَهُ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ إِيهَامُ ذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا مَال ابن عَبْدِ السَّلَامِ.

ج - وَيُجَابُ بِأَنَّ قِصَّةَ الْخَطِيبِ لَيْسَ فِيهَا صِيغَةُ عُمُومٍ، بَلْ هِيَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ تَوَهُّمُ التَّسْوِيَةِ.

د - وَمِنْ مَحَاسِنِ الْأَجْوِبَةِ أَنَّ تَثْنِيَةَ الضَّمِيرِ هُنَا لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنَ الْمَحَبَّتَيْنِ لَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهَا وَحْدَهَا لَاغِيَةٌ إِذَا لَمْ تَرْتَبِطْ بِالْأُخْرَى، فَمَنْ يَدَّعِي حُبَّ اللَّهِ مَثَلًا وَلَا يُحِبُّ رَسُولَهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ،

<<  <   >  >>