للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أ - أي أَنَّ هَذِهِ خِصَالُ نِفَاقٍ، وَصَاحِبَهَا شَبِيهٌ بِالْمُنَافِقِينَ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ، وَمُتَخَلِّقٌ بِأَخْلَاقِهِمْ، فهو محمول فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الْمَجَازِ، أَيْ: صَاحِبُ هَذِهِ الْخِصَالِ كَالْمُنَافِقِ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّفَاقِ: نِفَاقُ الْكُفْرِ.

ب - وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالنِّفَاقِ نِفَاقُ الْعَمَلِ، وَهَذَا ارْتَضَاهُ الْقُرْطُبِيُّ.

أَصْلُ الدِّيَانَةِ مُنْحَصِرٌ فِي ثَلَاثٍ: الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالنِّيَّةِ، فَنَبَّهَ عَلَى فَسَادِ الْقَوْلِ: بِالْكَذِبِ، وَعَلَى فَسَادِ الْفِعْلِ بِالْخِيَانَةِ، وَعَلَى فَسَادِ النِّيَّةِ بِالْخُلْفِ.

النِّفَاقُ لُغَةً: مُخَالَفَةُ الْبَاطِنِ لِلظَّاهِرِ، فَإِنْ كَانَ فِي اعْتِقَادِ الْإِيمَانِ فَهُوَ نِفَاقُ الْكُفْرِ، وَإِلَّا فَهُوَ نِفَاقُ الْعَمَلِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ، وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ.

مراتب الكفر والظلم والنفاق متفاوتة.

بعض النفاق كفر دون بعض.

(بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا … ) [البخاري].

إِنْ قِيلَ: لِمَ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَنْهِيَّاتِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَأْمُورَاتِ؟ فَالْجَوَابُ:

١ - أَنَّهُ لَمْ يُهْمِلْهَا بَلْ ذَكَرَهَا عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ فِي قَوْلِهِ: (وَلَا تَعْصُوا) إِذِ الْعِصْيَانُ مُخَالَفَةُ الْأَمْرِ.

٢ - أَنْ الْكَفّ أيسر من إِنشَاءَ الْفِعْلِ، لِأَنَّ اجْتِنَابَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى اجْتِلَابِ الْمَصَالِحِ، وَالتَّخَلِّيَ عَنِ الرَّذَائِلِ قَبْلَ التَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ.

• قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ وَاسْتَدَلُّوا بِهذا الحدِيثِ وفيه: (فمن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له).

(بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا .. الحديث) [البخاري].

قَالَ النَّوَوِيُّ: قِيلَ الْمُرَادُ بِأَرْضِنَا: أَرْضُ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً لِبَرَكَتِهَا، وَبَعْضِنَا رَسُولُ اللهِ لِشَرَفِ رِيقِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَخْصُوصًا، وَفِيهِ نَظَرٌ.

(بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب) [البخاري].

قَالَ السُّهيْلي: النُّكْتَة قي قَوْلِهِ (مِنْ قَصَبٍ) وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ لُؤْلُؤٍ: أَنَّ فِي لَفْظِ الْقَصَبِ مُنَاسَبَةً، لِكَوْنِهَا أَحْرَزَتْ قَصَبَ السَّبْقِ بِمُبَادَرَتِهَا إِلَى الْإِيمَانِ دُونَ غَيْرِهَا، وَلذَا وَقعت هَذِه الْمُنَاسبَة فِي جَمِيع أَلْفَاظ هَذَا الْحَدِيثِ.

(بنى الله له مثله في الجنة) [البخاري].

<<  <   >  >>