يجوز له إظهارها فكذلك يجوز إعطاءها للغني، ومقتضى الخيرية أن في كل خيرًا، لكن كونها للفقراء أخير.
قال تعالى: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٠]
استدل بالآية على التّرغيب والنّدب بالتّصدق أو إبراء المعسر، وكونه أفضل من إنظاره.
مأخذ الحكم: جعل ابن حزم الاستثناء من الواجب يدل على النّدب، وجعله من القرائن التي تصرف الأمر عن مقتضاه.
قال ابن حزم: «ومما تحمل به الأوامر على النّدب أن يرد استثناء يعقبه في تخيير المأمور مثل قوله تعالى في الدّيات ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٩٣]، وفي وجوب الصداق ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٣٧]، وفي قضاء الدّين ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٨٠] وما أشبه ذلك، وهذا معلوم كله بموضوع اللغة ومراتبها» (١).
والمثال الذي ذكره ابن حزم ﵀ وإن لم يشتمل على أداة الاستثناء، إلّا أنّه يفهم بالتّقدير، وتقديره: (فنظرة إلى ميسرة إلّا أن تصدقوا فذلك خير لكم).
ومما يؤيد كونه محمولًا على النّدب هنا سياق الآية، وقوله: ﴿خَيْرٌ﴾، وسبق أن الأصل في هذا الأسلوب حمله على الندب.
(١) الإحكام في أصول الأحكام (٣/ ٣٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute