للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم استدل بحديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: أمعك من القرآن شيء، قال: نعم، سورة كذا وكذا لسورٍ سماها.

قال ابن بطال -رحمه الله-: إن الآيات والآثار المذكورة في هذا الباب ترد على من زعم أنه لا يجوز أن يطلق على الله تعالى أنه شيء. (١)

وقد قال الإمام عبد العزيز الكناني (٢) في مناظرته لبشر المريسي في رفع الشبهة عن هذه الكلمة، فإن بشراً ادعى أن القرآن شيء وعلى هذا فهو مخلوق.

وأجابه الكناني: سألت عن القرآن أهو شيء أو غير شيء، فإن كنت تريد هو شيء إثباتاً للوجود ونفياً للعدم فهو شيء، وإن كنت تريد أن الشيء اسم له وأنه كالأشياء فلا، ولكن بشراً ادعى عدم الفهم وطلب زيادة إيضاح، فقال الكناني: إن الله عز وجل أجرى على كلامه ما أجراه على نفسه إذ كان كلامه من صفاته، فلم يقسم بالشيء، ولم يجعل الشيء اسماً من أسمائه، ولكنه دل على نفسه أنه شيء، وأكبر الأشياء ونفياً للعدم، وتكذيباً منه للزنادقة والدهرية ومن تقدمهم جحد معرفته وأنكر ربوبيته من سائر الأمم، فقال عز وجل لنبيه: {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم} الأنعام ١٩، فدل على نفسه أنه شيء لا كالأشياء وأنزل في ذلك خبراً خاصاً مفرداً لعلمه السابق أن جهماً وبشراً ومن قال بقولهما سيلحدون في أسمائه ويشبهونه على خلقه ويدخلونه وكلامه في الأشياء المخلوقة، قال عز وجل: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى ١١، فاخرج نفسه وكلامه وصفاته من


(١) المصدر السابق ١٣/ ٤٠٢.
(٢) عبدالعزيز بن يحيى الكناني، فقيه مناظر من تلاميذ الشافعي، ناظر بشر المريسي في حضرة المأمون وسجل ذلك في رسالة (الحيده) (ت ٢٤٠ هـ) الأعلام (٤/ ٢٩).

<<  <   >  >>