للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مكروباً ويجيب داعياً ويعطي سائلاً ويغفر ذنباً إلى ما لا يحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء (١)

ثم استشهد رحمه الله بقوله تعالى {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} الأنبياء ٢، قال الداودي رحمه الله في بيان مراد البخاري: الذكر في الآية هو القرآن وهو محدث عندنا وهو من صفاته تعالى ولم يزل سبحانه بجميع صفاته (٢)

وقد نقل الحافظ عن الداودي (٣) رحمه الله ما يؤيد قوله هذا في شرح قول عائشة " ولساني في نفسي كان أحقر من ان يتكلم الله في بأمرٍ يتلى)

قال: فيه ان الله تكلم ببراءة عائشة حين انزل براءتها بخلاف قول بعض الناس أنه لم يتكلم (٤)

اراد الرد على من يقول ان الله إذا تكلم فيكون كلامه حادثٌ فتحل فيه الحوادث على مايفهمه من يقول بذلك

قال ابن كثير " محدث " أى جديد انزاله ثم استشهد باثر ابن عباس الذي ساقه البخاري بنحوه " كيف تسألون اهل الكتاب عما بأيديهم وقد حرقوه وبدلوه وزادوا فيه ونقصوا منه وكتابكم احدث الكتب بالله تقرؤنه محضاً لم يشب (٥)

ثم قال البخاري رحمه الله وقوله تعالى: {لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا}

وهذه الآية معلوم انها في المطلقة التي لها عدة تعدها ولم تبن فأمر الله تبارك وتعالى ان تعتد في بيت زوجها من غير ان تخرج منه إلاّ أن تأتي بفاحشة وعلل ذلك بقوله تعالى: {لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} الطلاق ١

قال ابن جرير " لا تدري ما الذي يحدث لعل الله يحدث بعد طلاقكم اياهن رجعة " (٦)

يحدث للزوجين حالاً غير ما كانا عليه وقت الطلاق فقد تتبدل الكراهية رغبة والبعد قربا ويحصل الندم منهما فيحدث الرجوع بينهما فمقصود البخاري من هاتين الآيتين ان الله تعالى يتكلم بعد ان لم يكن تكلم بذلك الكلام بعينه ويأمر وينهى بعد ان لم يكن امر بذلك المأمور وذلك المنهي بعينه لمن وجه اليه الأمر والنهي (٧)

وفسر شيخ الاسلام الذكر بان منه محدث ومنه غير محدث لان النكرة إذا وصفت ميز بها بين الموصوف وغيره مفسراً لقوله تعالى: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} الأنبياء ٢ وبقوله {وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث} الشعراء ٥ في الآيتين ليس هو المخلوق الذي يقوله الجهمية ولكن الذي انزل جديداً فان الله ينزل من القرآن شيئا بعد شيء فالمنزل أولاً قديم بالنسبة إلى المنزل آخرا


(١) تفسير البغوي ٧/ ٤٤٦
(٢) الفتح ١٣/ ٥٠٧
(٣) محمد بن علي بن أحمد المالكي شيح أهل الحديث في عصره، مصري من تلاميذ السيوطي، له طبقات المفسرين، (ت ٩٤٥ هـ) الأعلام (٦/ ٢٩١).
(٤) الفتح ١٣/ ٥٠٧
(٥) تفسير ابن كثير ٣/ ٢٧٧
(٦) تفسير الطبري ١٢/ ٨٧
(٧) شرح كتاب التوحيد للغنيمان ٢/ ٥٠٨

<<  <   >  >>