للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المناقشة والترجيح

بعد هذا العرض الموجز لأهمّ ما يمكن أن يستدل به الفريقان؛ وبعد إمعان النظر، نجد أن المسألة دائرة في مجال الاجتهاد، ويمكن أن يكون القول بوجوب الإعلان، وعدم وجوب الإشهاد متجهاً من ناحية أن إعلان النكاح أقوى من الاشهاد عليه، فلا يحتاج مع الإعلان إلى الاشهاد، فالشاهدان قد يموتان، أو تتغير أحوالهما، بخلاف النكاح المعلن فإنه يشتهر بين الناس، ويكون بمثابة الاشهاد الجماعي، ويصعب التجاحد فيه، ثم إن الشارع قد أمر بإعلان النكاح، ونهى عن الإسرار به، في أحاديث صحيحة فقد جاء من حديث محمد بن حاطب الجمحي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " فصل ما بين الحلال والحرام، الصوت، والدف في النكاح " (١) وسبق حديث أبي هريرة في النهي عن نكاح السر في أدلة الفريق الأول، فأغنى هذا كله عن الاشهاد.

فالإعلان بالصوت، وضرب الدف، يشهر النكاح بين الناس، ويغني عن الاشهاد عليه كالنسب، فإنه لا يحتاج إلى الاشهاد فيه، لاشتهاره بين الناس، فإن المرأة تلد ويعلم الناس أنها ولدت لفلان ولا يحتاج إلى الاشهاد فيه.

وهذا الإيراد متجه إن سُلّم أن الاشهاد في النكاح ليس أمراً تعبدياً ثبت بالشرع؛ وأن المقصود منه حفظ هذا العقد عن التجاحد، وصيانة النسب فحسب.

ولكن إذا ما نظرنا في أدلتهم، فإنا نجد أنهم اعتمدوا في أغلب ما استدلوا في الجملة على أربعة أمور هي:

١) عدم وجود النقل الصحيح المثبت للشهادة كشرط صحة.

٢) فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في تزوجه من صفيه، وكان بغير شهود كما في ظاهر الروايات.

٣) ما روي من فعل بعض الصحابة، وبعض التابعين.

٤) قياس عقد النكاح على عقد البيع، في عدم اشتراط الشهادة.

وإذا أمعنا النظر في هذه الأدلة، فإنه يمكن أن تتجه عليها الإيرادات التالية:


(١) أخرجه أحمد في المسند ٢٤/ ١٨٩ برقم ١٥٤٥١، وابن ماجة في كتاب النكاح م ١ جزء ٢/ ٦٠٥ برقم ١٨٩٦ , ... والترمذي في كتاب النكاح ٣/ ٣٩٨ برقم ١٠٨٨ , والنسائي في كتاب النكاح م ٣ جزء ٦ - ٤٣٧ برقم ٣٣٦٩ , والحاكم في المستدرك في كتاب النكاح م ٢/ ١٨٤ وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي , وحسنه الألباني في الإرواء م ٧/ ٥٠ ... برقم ١٩٩٤.

<<  <   >  >>