للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القسم الثاني: حكم النكاح بغير ولي ولا شهود

أما عن نكاح السر الذي يكون بلا ولي، ولا شهود، فإن هذا النوع من الأنكحة قد جمع بين فقدان شرط الولي اللازم لصحة النكاح، وفقدان شرط الشهادة، واللازم أيضاً لصحة هذا العقد.

وإذا كان كذلك فإنه يكون باطلاً، وفاسداً، باتفاق أهل العلم؛ لفقدان هذا العقد شرطين من شروط الصحة، إذ لا يقول أحدٌ من أهل العلم بجواز فقدانهما جميعاً، في عقد واحد، ولن نبعد النجعة إن قلنا، إنه من جنس الزنا، واتخاذ الخليلات، والأخدان، إذ لا فرق ظاهر بينهما، وإن حاول بعض الناس إلباسه ثوب الشرعية، بمبررات هي أوهى من بيوت العنكبوت، كحل اضطراري، أو ضغط واقعي، أو ما شاباه ذلك من المزاعم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

فإن نكاح السر من جنس اتخاذ الأخدان، شبيه به لاسيما إذا زوجت نفسها بلا ولي ولا شهود وكتما ذلك، فهذا مثل الذي يتخذ صديقة، ليس بينهما فرق ظاهر، معروف عند الناس، يتميز به عن هذا، فلا يشاء من يزني بامرأة صديقة له، إلا قال تزوجتها، ولا يشاء أحد أن يقول لمن تزوج في السر إنه يزني بها، إلا قال ذلك؛ فلا بد أن يكون بين الحلال والحرام فرق مبين، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (١) وقال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} (٢) فإذا ظهر للناس أن هذه المرأة قد أحصنها، تميزت عن المسافحات، والمتخذات أخدان، وإذا كان يمكنها أن تذهب إلى الأجانب، لم تتميز المحصنات؛ كما أنه إذا كتم نكاحها فلم يعلم به أحد لم تتميز من المتخذات أخدان. (٣) وعليه فإن ما يجري اليوم في الواقع، من زواج يسمى (زواج عرفي، أو زواج سري) ليس من سلك الشريعة في شيء، ولا في فلك الإسلام بصدد، وإن زعم الزاعمون، ولبَّس الملبِّسون، بل إن بعض أهل العلم يوجب في هذا النكاح الحد، حتى وإن كان فاعله ظاناً حليته، ومشروعيته؛ لانتفاء الشبهة الدارئة للحد فيه، أو لضعف مدركها، قال في مغني


(١) سورة التوبة الآية رقم ١١٥.
(٢) سورة الأنعام الآية رقم ١١٩.
(٣) مجموع الفتوى ٣٢/ ١٢٦ ـ ١٢٧.

<<  <   >  >>