والفقهاء هم الذين حصلوا من الفقه شيئًا وإن قل، كذا قاله الرافعي.
والذي حكاه القاضي الحسين: أنهم الذين يعرفون من كل علم شيئًا. انتهى ملخصًا.
وهذا النقل عن الرافعي من استحقاقه بما قل حتى يستحق بالمسألة الواحدة، هو كذلك فيه، وتابعه عليه أيضًا في الروضة، ولكن لا أعلم من ذكره قبله، فإن غالب الكتب المطولة، كالحاوي والبحر وتعليقه القاضي أبي الطيب وغيرها، ليس فيها تعرض للمسألة. والذين تعرضوا لها، جزموا بأن هذا القدر لا يكفي، فذكر القاضي الحسين في هذا الباب من إحدى تعليقتيه، ما ذكره المصنف، وقال في التعليقة الأخرى: يعطى من حصل من الفقه شيئًا يهتدى به إلى الباقي. قال: ويعرف بالعادة.
وقال في التهذيب في باب الوصية: يصرف لمن حصل من كل نوع، وكأن هذا هو مراد القاضي بقوله: من كل علم.
وقال الغزالي في ((الأحياء)): يدخل الفاضل في الفقه، ولا يدخل المبتدئ من شهر ونحوه، والمتوسط بينهما درجات يجتهد المفتي فيها، والورع لهذا المتوسط ترك الأخذ. انتهى. ونقله عنه النووي في كتاب ((البيع من شرح المهذب)) وأقره.
وقال في ((التتمة)) في الوصية أيضًا: إنه يرجع فيه إلى العادة، وعبر في كتاب ((الوقف)) بقوله: أي من حصل طرفًا، وإن لم يكن متبحرًا، فقد روي: أن من حفظ أربعين حديثًا عد فقيهًا. انتهى.
ولا شك أن هذا اللفظ- أعني: عدم التبحر- هو الموقع للرافعي في الغلط، ثم إن ما ذكره الرافعي هنا، قد خالفه في كتاب الوصية فتأمله، وقد أوضحته في ((المهمات)).
قوله: ووقعت في الفتاوى مسألة في زمن الأستاذ أبي إسحاق: وهي أن من قال: وقفت داري هذه على المساكين بعد موتي، فأفتى الأستاذ: بأن الوقف يقع بعد الموت وقوع العتق في المدبر.
ثم قال: وقد حكى الرافعي عن فتاوى القفال في المسألة التي أفتى فيها الأستاذ: أنه لو أوصى بالدار بعد ذلك، كان رجوعًا. انتهى كلامه.
وما حكاه من التمثيل بالإيصاء لم يذكره الرافعي، ولا يصح التمثيل به أيضًا، لأن مجرد الإيصاء لا يقتضي الرجوع، وإنما يقتضي على المشهور، وإنما حكى الرافعي عن القفال تمسك ذلك بالعرض على البيع، واعلم أن كلام النووي في الروضة هنا غير مستقيم، فتفطن لذلك، وقد أوضحته في المهمات، فراجعه إن شئت.